الرئيسية / روضة الحب / روضة الحب – ١٨

روضة الحب – ١٨

حبل النجاة في الإسلام

حينما يكاد الإنسان يغرق في الماء، فلا شكّ أنه يحاول – بكل معنى الكلمة – إنقاذ نفسه وإبقاءها على قيد الحياة بكلّ ما أمكن له، حتى لو استطاع أن يتمسك بحبل يخرجه من الماء، أمسكه بكل رجاء وأمل، ظانّا أنه حبل حياته. وكذلك، عندما يواجه المؤمن في هذه الدنيا بأمواج الفتن الهائجة التي توعد بإفساد دينه وبإيقاعه في الذنوب والمعاصي، فليسأل نفسه: ما حبل النجاة في الإسلام الذي يمكن لي أن أتمسك به فينقذني؟

فحبل النجاة في الإسلام هو تقوية العلاقة بالله تعالى. ويكمن فيه الحل لجميع المشاكل والصعوبات الدينية والدنيوية. فقد قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم في خطبة الجمعة الأولى التي ألقاها بعدما هاجر إلى المدينة المنوّرة: من أصلح ما بينه وبين الله، يَكْفِهِ ما بينه وبين الناس (البداية والنهاية ٤/٥٢٨)

هذا إلى أن تقوية العلاقة بالله تعالى هي مفتاح الحصول على الفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة. وهو كالشمس التي تنير العالم بنورها وضيائها. فإذا أنار العبد حياته بحب الله تعالى وقوّى علاقته مع خالقه وبارئه تعالى، أمدّه الله تعالى بروح من عنده وأسعده في جميع شعب حياته حتى تُصْلَحَ علاقاته مع الناس وتتحسن، فيبدأ الناس يحبونه.

الأمور اللازمة لتقوية العلاقة مع الله تعالى؟

يلزم على المرء أن يتمسك بثلاثة أمور لتوطيد العلاقة مع الله تعالى: الأول: إقامة الصلاة، الثاني: اجتناب الذنوب والمعاصي، الثالث: الإحسان إلى الخلق ولاسيما إلى الأهل والأقارب.

إقامة الصلاة

إن الصلاة وُصِفَتْ في الحديث الشريف بكونها عماد الدين. ولا يمكن للعبد أن يقوّي علاقته مع الله تعالى ولا أن ينال حب الله تعالى ورحمته بدون إقامة الصلاة والمواظبة عليها. ومن إقامة الصلاة للرجال أداؤهم الفرائض مع الجماعة في المسجد. وقد كان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم حريصا أشد الحرص على ذلك.

ولأجل حرصه البالغ على أداء الفرائض في المسجد كان يعتمد على كتفي رجلين ويجر رِجْلَيْهِ إلى المسجد حينما اشتد المرض به صلى الله عليه وسلّم قبيل وفاته ولم يقدر على المشي بنفسه.

وقال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: لولا ما في البيوت من النساء والذرية، لأقمت الصلاة صلاة العشاء، وأمرت فتياني يحرقون ما في البيوت بالنار وفي رواية: لقد هممت أن آمر رجلا يصلي بالناس، ثم أخالف إلى رجال يتخلفون عنها، فآمر بهم فيحرقوا عليهم بحزم الحطب بيوتهم (صحيح مسلم، الرقم: ٦٥١، ومسند أحمد، الرقم: ٨٧٩٦)

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه كان يقول: من سره أن يلقى الله عز وجل غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصلوات الخمس حيث ينادى بهن أي في المساجد (سنن النسائي، الرقم: ٨٤٩)

 

اجتناب الذنوب والمعاصي

لا بدّ أن يجتنب العبد الذنوب والمعاصي وأن يبتعد عن الفتن ليتشرف بحب الله تعالى وتتقوّى علاقته معه تعالى.

قال المحدث الكبير العلامة يوسف البنوري رحمه الله: إن الفتن تتشكّل بأشكال شتّى في كل عصر وزمان. لكنها في الأصل نوعان: الفتن في الأعمال، والفتن في العلم.

أما الفتن في الأعمال فهي الذنوب والمعاصي والزنا وشرب الخمر وتعاطي المخدّرات والربا والرشوة والتعري والرقص والغناء والموسيقى وغير ذلك من المحرمات التي تنتشر في المجتمع ويقع فيها الناس، فتحملهم على الظلم والاعتداء والكذب والخداع وما إلى ذلك من السيئات. وهي تترك أثرا سيئا على صلاة المرء وصيامه وزكاته وحجه وغيرها من الأعمال الصالحة، فهي تنقص بقدرما تُتقاحم الذنوب والآثام، وبالتالي يُحْرَمُ المرء أعمال الخير كلها.

وأما فتن العلم، فهي تنشأ من تلقي العلم عن المصادر الغير المعتمدة (كالتلفاز واليوتيوب والفيسبوك). فتلقي العلم عن المصادر الفاسدة يبلبل على المرء أفكاره ويفسد عليه ذهنه ويشكله بشكل فاسد، فيبتلى بالفهم الخاطئ للدين، ثم تصدر عنه الأعمال على ما أخذه عن هذه المصادر.

الإحسان إلى الخلق

على المرء أن يحسن إلى الخلق ويؤدّي حقوقهم. فالإحسان إلى الخلق من أعظم أسباب جلب رحمة الله تعالى. ولا يمكن للمرء الحصول على حب الله تعالى ورحمته وهو يظلم خلق الله تعالى.

ذكر الشيخ مولانا محمد إلياس الكاندهلوي رحمه الله أن أحب الأعمال إلى الله يوم القيامة وأجلبها لمغفرة الله تعالى عملان. الأول: تعظيم كل ما يتعلق بالدين كالقرآن الكريم والأذان والمؤذن والمسجد والعلماء. والثاني: الإحسان إلى الخلق. وهذان العملان أكثر ما يُدْخِلُ المسلمين الجنة.

وقد خصّ الله تعالى الأهل والأقارب بمزيد من الحقوق. فحقوقهم أعظم وآكد من حقوق غيرهم. ومن فضل البر بهم أنه يزيد في رزق المرء. فعن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه (صحيح البخاري، الرقم: ٥٩٨٦)

ومن المؤسف البالغ أن بعض الناس يفرّون من أقاربهم في الأيام الحاليّة بسبب الوباء ويغفلون عن أداء حقوقهم. فلا يرعون المرضى ولا كبار السن، فهم يذوقون مرارة الوحدة والاكتئاب ويفتقدون الأمل في الحياة. وهذا ليس من الإسلام في شيء، فإن الإسلام حثنا على الترحم والإحسان إلى الخلق وأمرنا بالشفقة عليهم في كل حال.

فمن ابتغى الفوز برحمة الله الخاصة، فليُقم الصلاة مواظبا عليها مع الجماعة في المسجد، وليجتنب جميع الذنوب والمعاصي، وليحسن إلى الخلق مؤدّيا حقوقهم.

شاهد أيضاً

مقارنة الإسلام بالأديان السابقة – روضة الحبّ – ٥٩

عندما نقارن الإسلام بالأديان السابقة، نجد أن الإسلام لم يحرّم المنكرات والسيئات فحسب، بل حرّم …