رغّبنا الله عزّ وجلّ ورسوله صلى الله عليه وسلّم في عدد من الآيات والأحاديث الشريفة في التحلي بالتقوى. والتقوى: هي الخوف من الله عزّ وجلّ. وإذا خاف الإنسان ربّه عزّ وجلّ، فذلك يحمله على أداء حقوق الله عزّ وجلّ وحقوق عباده.
فالمتقي يهتم بصلاته وأداء زكاته وغيرهما من الواجبات الدينية. كما أنه يبرّ بوالديه، ويحسن إلى زوجته وأولاده ويعطف عليهم، ويؤدّي حق كل مسلم إذا تصرّف معه أو تعامل معه معاملة مالية من التجارة والميراث وما إلى ذلك. ففي الحقيقة، التقوى هو السبب الرئيسي لكسب الخير في الحياة.
وتوجد في حياة الصحابة رضي الله عنه والسلف الصالح أمثلة عديدة تتجلى منها مرتبة تقواهم العالية. وفيما يلي قصتان تعكسان مدى تقواهم:
يتجنب سيدنا عمر رضي الله عنه استعارة المال من بيت المال
في بعض الأحيان،كان سيدنا عمر بن الخطاب يقوم بالتجارة وهو خليفة. وذات مرة، كان يجهّز عيرا إلى الشام، واحتاج إلى شيء من المال، فبعث إلى سيدنا عبد الرحمن بن عوف رسولا يستقرضه أربعة آلاف درهم.
فقال سيدنا عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه للرسول: قل له (لعمر) يأخذها من بيت المال ثم ليردّها (إلى بيت المال).
فلما جاء الرسول إلى سيدنا عمر رضي الله عنه، وأخبره بما قال سيدنا عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، شقّ ذلك عليه.
ثم لقي سيدُنا عمرُ رضي الله عنه سيدَنا عبدَ الرحمن بن عوف رضي الله عنه وقال له: أنت القائل “ليأخذها من بيت المال”؟
فإن متُّ قبل أن تجيء (العير) قلتم أخذها أمير المؤمنين دَعُوها له وأُوخذ بها يوم القيامة. لا (أي: لا أفعل ذلك). ولكن أردت أن آخذها من رجل حريص شحيح (يهتم بمعاملاته) فإن متُّ أخذها من ميراثي (فلا أؤخذ بها يوم القيامة). (من الطبقات الكبرى ٣/٢١١)
الشيخ رشيد أحمد الكنكوهي رحمه الله يردّ الأموال المتبرّعة للمدرسة
ذكر الشيخ أشرف علي التهانوي رحمه الله أن دروس الحديث الشريف التي كان يُلقيها الشيخ رشيد أحمد الكنكوهي رحمه الله في “كنكوه” كانت خالصة لوجه الله تعالى. وكان الشيخ الكنكوهي رحمه الله يدير المدرسة بالتوكل التامّ على الله تعالى، (اعتمادا عليه تعالى وحده من غير توجّه إلى الخلق).
عندما توقف الشيخ عن تدريس الحديث الشريف بسبب ضعف بصره وأغلق المدرسة، استمر الناس في التبرع بأموال طائلة للمدرسة ظانّين أنها لا تزال تجري. لكن الشيخ رحمه الله أعاد تلك الأموال فوراً إلى معطيها قائلا لهم: إن المدرسة أغلقت.
حاول البعض أن يقنعوا الشيخ الكنكوهي رحمه الله بألا يعيد الأموال إلى المتبرّعين بها، بل ليطلب إذنهم لإنفاقها في أمر ديني آخر، ولكن رد الشيخ رحمه الله قائلًا: لماذا أذهب لأطلب إذن الناس لإنفاق أموالهم في أمور دينية أخرى؟ إذا أرادوا، أنفقوا في أي أمر ديني كما يشاؤون.
وذكر الشيخ أشرف علي التهانوي رحمه الله أيضا أن طلب إذن الناس لإنفاق أموالهم بهذه الطريقة يعد نوعاً من التسوّل. فالطريقة الصحيحة هي أنه عندما لا يُصرف المال في المصرف الذي تبرع به صاحبه من أجله، يجب إعادته فوراً. وإذا رغب المتبرع نفسُه في إنفاق المال في أمر ديني آخر، فليرسل المال مع تصريحه بذلك.