كان كلُّ نبيٍّ تجسيدا كاملًا للخضوع التامِّ والطاعة المطلقة لله تعالى. ففي كل منحى من مناحي الحياة، كان النبي يجسّد أعلى درجات الكمال في التمسّك بأوامر الله تعالى وامتثالها على أكمل وجه.
ومن شعب الشريعة الغراء شعبة الجهاد، وهي شعبة يختبر فيها ثبات الإنسان واستقامته إلى الحد الأقصى، إذ يُبتلى فيه بأعزِّ ما يملك، وهي حياتُه.
وإذا واجه الناس عدوًّا يفوقهم عَدَدًا وعُدَّة، فثباتُ جنديِّ في ميدان الحرب – ولا سيما إذا كان في الصفوف المتقدمة – دليلٌ واضح على شجاعةٍ عظيمةٍ وبسالةٍ فريدة غير أن وجودَ إخوانه المجاهدين من حوله يحدث في نفسه قدرًا من الطمأنينة والقوة.
لكن إن ثبتَ وحده في ساحة القتال بعد أن انفض من حوله من الجنود، وواصل القتالَ بحماسة وإقدامٍ نصرةً لدين الله تعالى، فذلك هو ذروةُ الشجاعة الحقيقية، وغايةُ البطولة.
فقد ورد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر أن من الذين يحبهم الله رجلا كان في سرية فلقي العدو فهزموا (أي: أصحابه) وأقبل بصدره حتى يقتل أو يفتح له (من سنن الترمذي، الرقم: ٢٥٦٨)
عندما ننظر في حياة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنجده أفضل خلق الله تعالى متسما بأفضل الأخلاق ومتصفا بأحسن الشمائل في شعب الحياة كلها ومنها الشجاعة والبسالة .
فكان صلى الله عليه وسلم أشجع الناس سواء كان مع الصحابة الكرام رضي الله عنهم أو وحده.
شجاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة المنوّرة
ذات ليلة، فزع أهل المدينة المنورة لصوت سمعوه، فانطلق ناس قبل الصوت، وبينما هم يهمون الخروج، إذ تلقاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعا، وقد سبقهم إلى الصوت، وهو على فرس، في عنقه السيف وهو يقول: لم تراعوا، لم تراعوا (فقد انطلقت وتأكدت من عدم موجب للقلق والخوف). (من صحيح مسلم، الرقم: ٢٣٠٧)
شجاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم العظيمةُ وبأسه الشديد في غزوةِ بدر
عن سيدنا علي ابن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: لقد رأيتنا يوم بدر ونحن نلوذ برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أقربنا إلى العدو، وكان من أشد الناس يومئذ بأسا.
وقد سئل (علي) رضي الله عنه عن موقف النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر، فقال: كان أشدنا يوم بدر من حاذى بركبته رسول الله صلى الله عليه وسلم (مجمع الزوائد، الرقم: ١٤١٧٧)
بسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم العظيمةُ في غزوةِ حنين
في غزوة حنين كان العدو مختبئًا مترصدًا للمسلمين، ليهجموا بغتة على الصحابة رضي الله عنهم. فلما مر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم، بدؤوا يتلقونهم بالنبل (يرمون السهام عليهم)، فأصابوا المسلمين على غرة، فحصل اضطراب، وفرَّ كثير من الصحابة رضي الله عنهم من ساحة القتال.
وفي تلك اللحظات الحرجة الخطيرة، ثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ميدان القتال ولم يفر. كان صلى الله عليه وسلم يومئذٍ راكبًا على حمار، بينما كان غيره من الصحابة يمتطون الخيل والإبل السريعة. وعلى رغم كونه على دابة بطيئة، تقدم بثبات وإقدام إلى قلب المعركة، يحث دابته ويلقي بنفسه في وجه العدو.
وكان ابن عمه – أبو سفيان بن الحارث رضي الله عنه – قابضًا على خطام الحمار يريد أن يمنع رسول الله صلى الله عليه وسلم من التقدم، خوفًا على حياته الشريفة، لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يُبدِ أي خوف. (من سنن الترمذي، الرقم: 1688)
فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض الصحابة رضي الله عنهم ينسحبون من ساحة القتال، أمر سيدنا العباس رضي الله عنه أن ينادي في المهاجرين والأنصار قائلاً: أي عباس ناد أصحاب السمرة أي: أين الذين بايعوني تحت الشجرة في الحديبية على بذل النفس في سبيل الله تعالى؟
فما إن نادى العباس رضي الله عنه بهذه الكلمات حتى انقلب المهاجرون والأنصار راجعين مسرعين إلى ميدان القتال. (من البداية والنهاية 4/325)
وهكذا ظهرت شجاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم الفذة وبأسه الشديد في تنفيذ أمر الله تعالى في المعركة وفي سائر الأمور.
نسأل الله تعالى أن يوفق الأمة للتحلي بجميع خصال رسول الله صلى الله عليه وسلم المباركة، وأن يرزقهم اتباع سنته في حياتهم.
إحياء السنة إحياء سنة رسول الله ﷺ