الأمة التي تعطى نعمة العلم الديني والفهم السليم تعدّ أمة متقدمة ومنتجة، مستقبلها مشرق ومصيرها رائع. وعلى عكس ذلك، الأمة التي تُحرم العلم الديني والفهم الصحيح، تعدّ متخلفة صائرة إلى الفساد والدمار.
ولذلك، عندما كان يُبعث نبي إلى أمة، كان من أولى مهماته أن يعلّمهم العلم الديني، ويغرس في قلوبهم الأخلاق الرفيعة والقيم السامية. فكان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يهتم اهتماما بالغا بتعليم الصحابة الكرام الأخلاق الحسنة، والتصرفات الصحيحة في مناحي الحياة المختلفة.
ومما يؤكد أهمية تزويد الأطفال بالتعليم الديني ما ورد في سيرته صلى الله عليه وسلم من أن أول ما كان يهتم به النبي صلى الله عليه وسلم عندما كان يسلم أحد أن يعلّمه أمور دينه. فعندما أسلمت أول جماعة من الأنصار قبل الهجرة، أرسل النبي صلى الله عليه وسلم سيدنا مصعب بن عمير رضي الله عنه معهم إلى المدينة المنوّرة ليعلمهم الدين (طبقات ابن سعد 3/87).
وكذلك كان سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يدرك أهمية تعليم الأطفال العلم الديني بكل معنى الكلمة فكما كان يعتني – على سبيل العموم- بتعليم الأمة أمور الدين، كذلك كان يعتني – على سبيل الخصوص- بتعليم الأطفال. فكان -رضي الله عنه – أول من جمع الأولاد في المكتب (الكُتَّاب) وعين لهم مدرّسا وجعل رزقه من بيت المال (الفواكه الدواني صـ ٣٠)
كذلك كان الصحابة الآخرون يهتمون بتربية أبنائهم تربية دينية صحيحة، ويحرصون على تسليحهم بالتعليم الديني، وكانوا يشجعون أبناءهم على مبايعة رسول الله صلى الله عليه وسلم والاستفادة منه في العلم. فمن الصحابة الصغار الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن الزبير رضي الله عنه وعبد الله بن جعفر رضي الله عنه. وكان عبد الله بن الزبير في السابعة أو الثامنة من عمره حين بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم (صحيح مسلم، الرقم: 2146 وتاريخ دمشق 28/161-162).
إن تعليم الأولاد العلم الديني يحمل أهمية كبيرة حتى ورد في الأثر أن المرء يكون مسئولا (يوم القيامة) عن ولده، ماذا أدبه؟ وماذا علمه (من شعب الإيمان، الرقم: 8295). وورد في الحديث: أدبوا أولادكم على ثلاث خصال: حب نبيكم وحب أهل بيته وقراءة القرآن فإن حملة القرآن في ظل الله يوم القيامة يوم لا ظل إلا ظله مع أنبيائه وأصفيائه (فيض القدير، الرقم: 311).
أربع نقاط رئيسية بصدد تربية الأطفال وتعليمهم تجب مراعاتها:
١. تعليم الأطفال العلم الديني بحب ورفق:
أولا:ً يجب تعليم الأطفال العلم الديني بحب ورفق كما كان أسلوب رسول الله صلى الله عليه وسلم في تعليم الصحابة الصغار. يقول سيدنا عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه: كنت غلامًا في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا غلام، سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك. (صحيح البخاري، الرقم: 5376).
لقد كان لهذا التوجيه الملئي بالمحبة تأثير عميق في قلب سيدنا عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه، فلم يزل يلتزم بهذا الأدب طيلة حياته كما قال رضي الله عنه: فما زالت تلك طعمتي بعد.
٢. مراعاة مستوى فهم الأطفال:
ثانيًا: من المهم أن يُخاطَب الولد بما يناسب مستوى فهمه. فقد روي أن فتى شابا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أتأذن لي في الزنا؟ فصاح القوم به وقالوا: مه مه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أقروه وادنه، فدنا حتى كان قريبا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتحبه لأمك؟: لا يا رسول الله، جعلني الله فداك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم، قال: أفتحبه لابنتك؟ قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداك، قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم، قال: فتحبه لأختك؟، قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداك، قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم، قال: فقال يا رسول الله، ادع الله لي، قال: فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده عليه ثم قال: اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وحصن فرجه، قال: فكان لا يلتفت إلى شيء بعد (شعب الإيمان، الرقم: 5032).
٣. اعتماد الوسائل الجائزة لتعليم الأطفال وتوفير بيئة إسلامية لهم:
ثالثًا: يجب أن لا يعتمد من الوسائل إلا ما كان جائزا لتعليم الأولاد ويلزم أن توفر بيئة إسلامية لهم؛ فإن البيئة السيئة تترك أثرًا سلبيا على أخلاقهم. لذلك يلزم إبعادهم عن نظام التعليم المختلط، وعدم إلحاقهم بمدارس وجامعات لا تراعى فيها القيم الإسلامية؛ لأنه يؤدي إلى انحرافهم فكرا وفسادهم خلقا.
٤. قضاء وقت خاص مع الأطفال:
ورابعا: على الوالدين أن يقضوا وقتًا خاصا مع أولادهم محبين وناصحين لهم. وإذا لاحظوا انحرافًا في أخلاقهم، فعليهم أن يرشدوهم بلطف إلى السلوك القويم، ويزرعوا في قلوبهم حب الدين والتمسك بالسنة. وبدلًا من الحوار في أمور الدنيا، ينبغي أن يتحدث أعضاء الأسرة عن قصص الصحابة واتباعهم سنة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليغرسوا في نفوس الجيل الجديد الهدف الأسمى للحياة – إقامة الدين والعدل.