بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿١﴾ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ ﴿٢﴾ مٰلِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴿٣﴾ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴿٤﴾ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴿٥﴾ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ﴿٦﴾ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴿٧﴾
السورة الأولى
سورة الفاتحة هي السورة الأولى في القرآن الكريم. وليست الأولى في ترتيب السور فقط، بل هي أول سورة نزلت كاملة. فقبل نزول سورة الفاتحة، لم تنزل إلا بعض الآيات من سورتي العلق والمدثر.
ووُضعت سورة الفاتحة في أول القرآن الكريم لأنها فذلكة محتوياته. وذلك لأنها تشتمل على الأصول الثلاثة – التي هي مقاصد القرآن الكريم الأساسية- بإيجاز. فكأنها متن و بقية السور الكريمة شَرح لما فيها أي: سورة الفاتحة.
المقاصد الثلاثة الأساسية للقرآن الكريم
العلم الذي يحتويه القرآن الكريم كله يرجع إلى ثلاثة مقاصد رئيسية:
١. الإيمان بوحدانية الله عزّ وجلّ وصفاته
٢. الإيمان برسالة الأنبياء عليهم السلام واتباعهم في العمل الصالح،
٣. الإيمان بالآخرة.
وتتناول سورة الفاتحة المبادئ الأساسية لهذه المقاصد الثلاثة. ولذا سُمّيت في الأحاديث النبوية الشريفة بـ”أمّ القرآن” و”أمّ الكتاب”.
رسالة سورة الفاتحة
عندما تتأمل في معاني هذه السورة، تدرك أنها تعلم الإنسان كيف يدعو الله عزّ وجلّ و يستعينه و كيف يستهديه .ففي هذه السورة، يدعو العبد ربه أن يهديه صراط الذين أنعم عليهم، وأن يجنبّه طريق المغضوب عليهم والضالين ، فيستجيب دعوته و يرزقه الهداية التي نزلت بقية القرآن الكريم لأجلها. فكأن سور القرآن الكريم كلها استجابة من الله عز و جل لدعوة العبد التي يطلبها في سورة الفاتحة.
شرط الانتفاع بالقرآن الكريم
لا يمكن للإنسان أن ينتفع بالقرآن الكريم إلا إذا آمن بأركان دين الإسلام وأطاع أوامر الله عزّ وجلّ واتبع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وامتنع عن المعاصي.
وأما المراد بالإيمان بأركان الإسلام فهو كما يلي:
١. الإيمان بوحدانية الله عزّ وجلّ
٢. الإيمان بجميع صفاته
٣. الإيمان بالآخرة – الجنة والنار
٤. الإيمان بالحساب يوم القيامة
٥. الإيمان برسالة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
توجيه الخلق إلى تحقيق هدفهم
توجه هذه السورة – سورة الفاتحة – الإنسان إلى تحقيق هدفه الأصلي بالتوجه الكامل إلى الله عزّ وجلّ من خلال عبادته و طلب الهداية و النصرة منه .
فلو قرأها أحد و درسها بعقل منفتح و قلب صادق طالبا للحق، فلا شك أن الله سبحانه وتعالى يوفقه للحق و ينعم عليه بالهداية.
فضائل سورة الفاتحة
قد وردت في فضائل هذه السورة أحاديث عديدة:
منها: ما روي أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فاتحة الكتاب شفاء من كل داء (شعب الإيمان، الرقم: ٢١٥4). ولذلك سميت هذه السورة “الشفاء”.
ومنها: ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنه أعظم سورة في القرآن الكريم.
وروي عن سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: والذي نفسي بيده ما أنزلت في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلها، وإنها سبع من المثاني والقرآن العظيم الذي أعطيته (جامع الترمذي، الرقم: ٢٨٧٥، وقال: هذا حديث حسن صحيح)
ذكر بعض العلماء أن الله عزّ وجلّ أنزل (نحو) أربع مائة وأربعة كتب. جَمَعَهَا (علومها) في أربعةِ كتبٍ: التَّوراة والإنجيل والزَّبور والقرآن، وجمع الأربعة في القرآن، وجَمع القرآن في الفاتحةِ وجمع عِلم الفاتحةِ في بسم الله الرحمن الرحيم.
خلاصة البسملة – بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيْمِ
كان من دأب أهل الجاهلية أنهم كانوا يسمّون أصنامهم وآلهتهم إذا شرعوا في أي عملٍ تبركا بها. فلما جاء الإسلام، فنّد هذه العادات الفاسدة وأمرهم أن يذكروا اسم الله سبحانه وتعالى عند بداية أي عمل أو مشروع.
ولذا نجد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُمر في أول آية أنزلت عليه أن يبدأ تلاوة القرآن الكريم باسم الله تعالى، فقال الله عزّ وجلّ له: اقرأ باسم ربك الذي خلق.
فقد حثنا القرآن الكريم على بدء كل أمر باسم الله تعالى، وكذلك دعانا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تسمية الله عند بدء كل أمر، فقال صلى الله عليه وسلم: كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله فهو أبتر. فعلينا أن نسمي الله عز وجل عند إغلاق الباب وفتحه ، وعند تغطية الأواني، وعند ما نبدأ الأكل أو الشرب، وعند ما نركب السيارة أو ننزل وهكذا في بداية سائر الأمور، كما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وذلك ليرسخ في قلب كل مؤمن أنه لا يقدر أن يشرع في عمل ما إلا بفضل الله ورحمته، ولا يمكنه أن يُتمّه إلا بمعونته وتوفيقه سبحانه وتعالى؛ لأنه إذا قال “بسم الله”، أقرّ بأنه لا يستطيع القيام بأي عمل ولا إنهاءه بدون عون الله وإن كان يبدو أمرا بسيطا.
والحاصل أنه ينبغي أن يبدأ المؤمن جميع أمور حياته بذكر اسم الله تعالى. ومنها التسمية عند بداية قراءة القرآن الكريم. وذلك لطلب معونة الله وتوفيقه لتلاوة القرآن الكريم بشكل صحيح، ولفهم رسالته، والاهتداء به.
بدأ الكتب السماوية الأخرى باسم الله عزّ وجلّ
ذكر المفسر الشهير العلامة السيوطي رحمه الله أن جميع الكتب السماوية بدأت بالتسمية.
وذكر غيره من العلماء أن “بسم الله الرحمن الرحيم” مختص بالقرآن الكريم وبأمة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد جمع المفتي محمد شفيع رحمه الله بين هذين القولين بأن جميع الكتب السماوية بدأت باسم الله، ولكن صيغة “بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ” خاصة بالقرآن الكريم.
وهذا ثابت من الأحاديث التي ورد فيها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول عند بدء أي عمل: “بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ”. ولكن عندما نزلت آية “بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ”، اختار هذه الصيغة وترك قراءة “بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ”.
الحكمة من قول بسم الله
قد وجه الإسلام الإنسان بأمره بتسمية الله عند بدء كل عمل إلى وجهة جديدة في حياته. و هي أن يخلص جميع جهوده و مساعيه لله تعالى.
فكل خطوة يخطوها و كل عمل يقوم بها باسم الله يدل على تجديد عهده وميثاقه مع الله، ويشهد أن جميع أمانيه و أهدافه لا يمكن أن تتحقق إلا بمعونة الله تعالى .
وبذلك تتحول جميع نشاطاته اليومية، سواء كانت أعمالاً منزلية أو معاملات اجتماعية أو تجارية، إلى عبادات. هذا إلى أن الإنسان يعد ذاكرا لله في كل لحظة من حياته إذا استحضر الله عز وجل عند بدء عمله . وهكذا تصير شؤونه الدنيوية طاعات وقُربات بكلمة قصيرة -“بسم الله”. ما أبسط هذا العمل، وما أعظم أجره!
الثناء على الله جلّ جلاله
الحمد لله
تبدأ هذه السورة – سورة الفاتحة – ب الحمد لله، وهذه الكلمة تحمل معنى عميقًا وهو أن كل ثناء في الواقع لله عزّ وجلّ وحده. فمن يمدح أي مخلوق في أي ناحية من نواحي العالم، ففي الحقيقة يمدح خالق الأشياء كلها وهو الله عزّ وجلّ. لأن الإعجاب بأي شيء إعجاب بصانعه وخالقه.
فإذا كان الله عزّ وجلّ هو الذي خلق كل شيء، فإن مدح شيء ما هو في الحقيقة مدحٌ لخالقه، لأنه هو الذي أعطى ذلك الشيء الجمال والروعة.
إذا تأمّل الإنسان في الكون وما فيه من عجائب قدرة الله تعالى، فكل شيء يجذب قلبه إلى جماله وروعته ويجعله معجبا به. لكن إذا نظر خلف الستار ليرى من الذي يدير كل شيء ويدبّر الكون ليسير بنظام محكم، فسيُدرك – بلا شك – أن الذي يدير الكون هو الله عزّ وجلّ وحده.
فذلكة الكلام أن كل مخلوق بجماله وعظمته إنما هو انعكاس ومظهر من مظاهر عظمة الله عزّ وجلّ وكبريائه.
فإذا أدرك الإنسان أن هناك ربّا واحدًا أحدا في هذا الكون يستحق جميع الثناء والحمد، فليعرف أن ذلك الرب العظيم وحده هو الذي يستحق العبادة. فكلمة “الحمد لله للثناء على الله عزّ وجلّ، بالإضافة إلى أنها تستأصل الشرك وتقطع جذره، وتبطل عبادة المخلوقات، وتُرسخ في القلب الإيمان بوحدانية الله سبحانه وتعالى (التوحيد).
فعلم من هذا أن الآية الأولى من القرآن الكريم تُرسخ المبدأ الأساسي للإسلام، وهو التوحيد – الإيمان بوحدانية الله جلّ جلاله.
رَبِّ العَالَمِينَ
الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ