الرئيسية / التفسير / تفسير سورة الفلق وسورة الناس

تفسير سورة الفلق وسورة الناس

بِسمِ اللَّهِ الرَّحمٰنِ الرَّحيمِ

قُل أَعوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ ‎﴿١﴾‏ مِن شَرِّ ما خَلَقَ ‎﴿٢﴾‏ وَمِن شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ ‎﴿٣﴾‏ وَمِن شَرِّ النَّفّٰثٰتِ فِى العُقَدِ ‎﴿٤﴾‏ وَمِن شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ ‎﴿٥﴾‏

نزلت هاتان السورتان – الفلق والناس – بالمدينة المنوّرة بعد الهجرة، فهما مدنيتان.

وسبب نزولهما أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد سُحر أشدّ السحر.

كيف سحر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

في السنة السادسة بعد الهجرة، قصد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام رضي الله عنهم مكة المكرمة لأداء العمرة، لكن أهل مكة منعوهم من دخولها، فصالحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على وضع الحرب بينهم وبين المسلمين عشر سنين، وهذا هو صلح الحديبية.

ثم رجع سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون إلى المدينة المنوّرة في ذي الحجة.

وبعد شهر، في المحرم من السنة السابعة، ذهبت رؤساء اليهود إلى لبيد بن الأعصم  – وكان ساحرا بارعا – وقالوا له: حاولنا مرّات عديدة أن نسحر محمدا (صلى الله عليه وسلّم)، لكن لم يؤثّر فيه سحرنا، فلذا قرّرنا أن نأتيك لما علمنا من خبرتك وبراعتك في فن السحر وأنه لا مثيل لك فيه، ودفعوا له ثلاثة دنانير لقتل سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسحر.

ورد في بعض الروايات أن لبيدا كان منافقا، وجاء في روايات أخرى أنه كان يهوديا، وتدلّ بعض الروايات على أنه كان من أنصار المدينة المنوّرة.

وجمع بينهما الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله فقال: ويجمع بينهما بأن من أطلق أنه يهودي نظر إلى ما في نفس الأمر ومن أطلق عليه منافقا نظر إلى ظاهر أمره … ويحتمل أن يكون قيل له يهودي لكونه كان من حلفائهم (اليهود) لا أنه كان على دينهم (فتح الباري ١٠/٢٢٦)

كان لبيد من قبيلة بني زريق، وكان يتظاهر بالإيمان ويحضر مجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يعلم أنه من المنافقين.

وبعدما أخذ لبيد الدنانير الثلاثة، طلب من غلاميهودي كان يرتاد بيت سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ويخدمه أن يأتي له بشعرات سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخدع الغلام بأنه ينوي أن يستعملها في أغراض صالحة، فأتى الغلام اليهودي بشعرات النبي صلى الله عليه وسلّم وأسنان مشطه وأعطاه إياها.

فسحر لبيد النبي صلى الله عليه وسلم بشعراته وأسنان مشطه. وفي بعض الروايات أنه صنع صورة لرسول الله صلى الله عليه وسلم من الشمع وغرز فيها إحدى عشرة إبرة.

وكانت عائلة لبيد کلّها تعمل السحر، فاستعان ببناته أيضا في عملية سحر النبي صلى الله عليه وسلّم. ثم أخذ لبيد هذه الأشياء ودسّها تحت صخرة في قعر بئر ذي أروان الواقعة في المدينة المنوّرة.

ذكرت السيدة عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان يخيّل إليه أن فعل الشيء ولم يكن قد فعله، حتى أنه صلى الله عليه وسلّم كان ينسى أحيانا دور زوجاته، كما أنه صلى الله عليه وسلم بدأ يفقد شهية الطعام فجعل الضعف يسري في جسده الشريف هكذا أثر السحر على أموره الدنيوية. وأما الأمور الدينية کتبليغ رسالة الدين وتذكر الوحي الذي أوحي إليه، فلم يؤثّر السحر في شيء من ذلك. وبقي صلى الله عليه وسلّم مريضا ستة أشهر.

وكان صلى الله عليه وسلّم يظن في بداية هذا المرض أنه أمر طبي، فاحتجم، لكنه لم يُجْدِه فتيلا، فعلم أن هناك شيئا آخر يؤثّر عليه.

محادثة بين ملکين

عندما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مريضا مسحورا، قال للسيدة عائشة رضي الله عنها ذات مرة:

يا عائشة، أشعرت أن الله أفتاني (أي: بيّن لي)  فيما استفتيته فيه (أي: بيّن لي فيما فيه شفائي) ، أتاني رجلان (أي: ملكان على صورة رجلين في منامي)، فقعد أحدهما عند رأسي، والآخر عند رجلي، فقال أحدهما لصاحبه: ما وجع الرجل؟ فقال: مطبوب (أي: مسحور)، قال: من طبّه؟ قال: لبيد بن الأعصم، قال: في أي شيء؟ قال: في مشط ومشاطة (ما سقط من شعر الرأس أو اللحية عند تسريحه بالمشط)، وجُفّ طلع نخلة ذكر (الغشاء الَّذي يكون على الطلع).

سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم محادثة الملكين (التي كانت في الواقع وسيلة أخبر اللهُ عزّ وجلّ بها رسولَه صلى الله عليه وسلم بحاله). ومن خلال هذه الرؤيا، أعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا أن الأشياء التي استعملت للسحر قد وضعت في بئر.

فلما استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم، أرسل أربعة من أصحابه (سيدنا عليا وعمارا وجبير بن إياس وقيس بن محصن رضي الله عنهم) إلى البئر التي وضعت فيها تلك الأشياء ليخرجوها.

ثم ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البئر بنفسه. فأُخرجت تلك الأشياء من تحت صخرة في أسفل البئر.

نزول سورتي الفلق والناس وفكّ السحر

وبهذه المناسبة، نزل جبريل عليه السلام بهاتين السورتين – الفلق والناس – وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرأهما آية آية من أولهما إلى آخرهما.

فكان صلى الله عليه وسلم كلما قرأ آية، انحلّت عقدة من الشعر وأخرجت إبرة من الدمية الشمعية المصنوعة على شكل رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعندما كانت الإبر تخرج، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحسّ بألم خفيف، ثم أحسّ براحة مريحة، كأنما أنشط من عقال (كان مقيدا به مدّة طويلة) كما ورد في بعض الروايات.

ووصف رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أشجار البئر وماءها لسيدتنا عائشة رضي الله عنها قائلا: يا عائشة، كأن ماءها نقاعة الحناء، أو كأن رءوس نخلها رءوس الشياطين (رؤوس الحيات، كان العرب يشبّهون بعض الحيات بالشياطين لسوء منظرها). وهكذا كان المكان الذي وضع فيه السحر مخيفا مرعبا.

رقية جبريل عليه السلام لرسول الله صلى الله عليه وسلّم

بعدما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلّم المعوّذتين (سورتي الفلق والناس)، رقاه جبريل عليه السلام بالكلمات التالية: بِاسْمِ اللهِ أَرْقِيْكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُؤْذِيْكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ أَوْ عَيْنٍ حَاسِدٍ اللهُ يَشْفِيْكَ بِاسْمِ اللهِ أَرْقِيْكَ

خُلُق رسول الله صلى الله عليه وسلّم العظيم

بعدما فكّ السحر عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحسّ براحة تامة، اقترحت عليه السيدة عائشة رضي الله عنها أن يدعو الناس، ويُظهر الساحر ويحرق السحر أمام الجميع. وفي بعض الروايات أنها اقترحت أن يُنفى (يخرج) هذا الرجل (لبيد بن الأعصم) من المدينة المنوّرة. لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أما أنا فقد شفاني الله، وكرهت أن أثير على الناس شرا.

وقال بعض الصحابة: يا رسول الله لو قتلت اليهودي (انتقاما)، فقال صلى الله عليه وسلم: قد عافاني الله تعالى وما يراه من عذاب الله تعالى أشد.

وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدفن السحر وأن تغلق البئر.

كان من خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم العظيم الرفيع أنه ما انتقم لنفسه قط، بل كان يعفو ويصفح عمن أساء إليه أو ظلمه.

وكان لبيد بن الأعصم يغشى مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك أيضا، لأنه كان من المنافقين، لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخاطبه حول هذا الأمر ولم يزل يعامله معاملة حسنة.

الغرض من نزول هاتين السورتين

هاتان السورتان – كما ذكر سابقا – نزلتا عندما سحر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنزلهما الله عزّ وجلّ لحفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلاجه على الخصوص، ولحفظ أمته وعلاجهم على العموم.

وقد سمّيت هاتان السورتان بالمعوّذتين في بعض الأحاديث. وذكر بعض العلماء أن السورة الأولى – سورة الفلق – نزلت لحفظ الإنسان من الضرر الحسي وأن الثانية  – سورة الناس – نزلت لحفظه من الضرر الروحاني.

رب الفلق

في هذه الآية الكريمة، ذكر الله عزّ وجلّ لفظ “الفلق”، والمراد منه الصبح الذي ينجلي عنه ظلام الليل.

فهذه الآية تحمل رسالة لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولجميع أمته وهي أنه كما يعقب ظلمةَ الليل ضوءُ النهار، فكذلك يعقب العسرَ – المشاكلَ والمصاعب – اليسرُ والنصر من عند الله عزّ وجلّ.

فإذا جاء نصر الله، انجلت به الظلمات وانتشر النور. فإذا أصابنا كرب أو مشاكل، فلنلتجئ إلى ربنا، ولا نقنط من رحمته أبدا.

معنى آخر للفلق

ذكر بعض المفسرين أن الفلق واد في قعر جهنم، تستعيذ جهنم منه بالله تعالى منه كل يوم، وانما خصه الله عزّ وجلّ فى الاستعاذة بهذه الصفة لأن الفلق الذي هو أشد من أجزاء جهنم الأخرى لما كان أعظم الأشياء شرا وأشدّها عذابا فخالقه وربه أقدر على دفع كل شر، ولا ملجا ولا منجا منه إلا إليه.

الإنابة إلى الربّ في الاستعاذة من كل شرّ

قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ‎﴿١﴾‏ مِن شَرِّ مَا خَلَقَ ‎﴿٢﴾

يشير قوله تعالى “من شرّ ما خلق” إلى كل صعوبة وشر يمكن أن يتخيلها الإنسان وكذلك يشير إلى ما لم يخطر على باله من المشاكل والمصاعب.

ففي هذه الآية الكريمة، ذكّرنا الله عزّ وجلّ بأنه هو الخالق لكل شر. وإذا كان كل شر – صغيرا كان أو كبيرا – من خلق الله عز وجل، فهو القادر عليه  والدافع له،   فلنستعذ به عزّ وجلّ وحده من جميع أنواع الشر.

فلا ينبغي للمرء أن يكون مغلوبا بالمشاكل النازلة والظروف القاسية؛ بل عليه أن ينيب إلى الله الذي خلق كل شيء وهو عليه قدير؛ لأنه القادر على دفعها وإزالتها.  ولا ينس – عندما يعتريه الهم والحزن – أن هناك ربا قادرا على كشفه ودفعه.

الاستعاذة بالله عزّ وجلّ من ثلاثة أنواع مخصوصة من الشر

بعد الاستعاذة بالله تعالى من الشر بشكل عام، أمرنا الله عزّ وجلّ أن نستعيذ به من ثلاثة أنواع مخصوصة من الشر، فقال: وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ ‎﴿٣﴾‏ وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ ‎﴿٤﴾‏ وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ‎﴿٥﴾‏

ذكر العلماء أنه يمكن أن يكون وجه تخصيص هذه الأنواع الثلاثة من الشر بالذكر أنها (الأنواع الثلاثة من الشر) متوفرة في القصة التي كانت سبب نزول هاتين السورتين (أي: سحر النبي صلى الله عليه وسلم).

والربط بين هذه الأنواع الثلاثة من الشر والقصة حسب ما يلي:

١. ذكر شر الليل المظلم؛ لأن السحر تمّت معالجته في الليل.

٢. ذكر شر النفاثات في العقد؛ لأن بنات لبيد بن الأعصم نفثن في العقد عندما سحرن النبي صلى الله عليه وسلم.

٣. ذكر شر الحسد؛ لأنه كان حاملا لليهود على سحر النبي صلى الله عليه وسلم، كما أنه كان حاملا لهم على كراهية الإسلام وانتشاره.

فقد وقع الأمر بالتعوذ بالله عزّ وجلّ من ثلاثة أنواع مخصوصة من الشر: ١. شر الغاسق إذا وقب أي: الليل إذا اشتد ظلامه ٢. شر النفاثات في العقد ٣. شر الحاسد إذا حسد.

الفرق بين الشر الثاني وغيره من الشر

ذكر الشر الأول والثالث في هذه السورة مقيدا:

أما الشر الأول وهو شر الغاسق (أي: الليل)، فهو مقيد ب ” إذا وقب” أي إذا اشتد ظلامه. وأما شر الحاسد، فمقيد ب “إذا حسد”. وأما الشر الثاني، فلم يقيد بشيء.

ووجه ذلك أن شر الليل مقتصر على ظلامه. فإذا انجلى الظلام بانفلاق الصبح، انتهى شر الليل. فهجوم اللصوص والساحرين والدواب وغيرها عادة يكون في الليل. فالاستعاذة بالله من شر الغاسق إذا وقب تشمل جميع هذه الأنواع من الشر.

كما أن شر الحاسد لا يبدو إلا إذا أظهر حسده. و إلا، فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر المحسود شيئا. فأمر التعوذ بالله من شر الحاسد إذا حسد أي: أظهر حسده، لأنه يضرّ المحسود آنذاك .

أما السحر، فيؤثر على المسحور ليلا ونهارا، فلم يقيد بشيء عند الاستعاذة من شرّه.

حقيقة الشر

ذكر العلامة ابن القيم رحمه الله أن الشر يطلق على شيئين: على الألم (الشر نفسه)، وعلى ما يفضي إليه

فالشرور: هي الآلام وأسبابها. فالمعاصي والكفر والشرك وأنواع الظلم هي شرور.

فقوله عزّ وجلّ: من شرّ ما خلق يعلمنا الاستعاذة بالله من الشر وما يفضي إليه.

الاستعاذة بالله من الضرر الروحاني
في السورة السابقة (سورة الفلق)، استعيذ بالله من الضرر الحسي على سبيل الخصوص (وإن كان الضرر الروحاني يدخل في عموم قوله عزّ وجلّ “من شرّ ما خلق”).
أما هذه السورة، فاستعيذ فيها بالله من الضرر الروحاني وهو شر الشيطان.
وقد ختم القرآن الكريم بهذه السورة، لأن الضرر الروحاني أشدّ ضررا وأعظم شرّا من الضرر الحسي. فالضرر الحسي يقتصر على حياته. فإذا مات، انتهت المشكلات التي كان يعانيها.
أما الضرر الروحاني، فهو يستمرّ إلى الآخرة. وهذا يدلّ على أن الضرر الروحاني أعظم من الضرر الحسي.
تكرار لفظ “الناس”
كرّر لفظ “الناس” في هذه السورة خمس مرات. وعادة لا يكرّر الاسم الظاهر، بل يشار إليه بإعادة ضمير له. لكن في هذه السورة، كرر لفظ “الناس”
وجه تكرار لفظ “الناس”
ذكر بعض العلماء أن تكرار لفظ “الناس” خمس مرات يشير إلى الأحوال التي يمرّ بها الإنسان في حياته.
المرّة الأولى
في البداية، هو صبي محتاج إلى الله أشد الحاجة. فأمره الله عز وجل أن يستعيذ به ويلجأ إليه قائلا : قل أعوذ برب الناس.
فالربّ هو الذي يخلق ثم يتولى أمور جميع خلائقه بالنصر والمساعدة في جميع مراحل الحياة و الرقي من حال إلى حال.
ففي بداية الحياة، عندما يكون الصبي في مرحلة نشأته الأولى، كانت كلمة “الرب” أنسب الكلمات لبيان احتياجه إلى الله عزّ وجلّ.
المرّة الثانية
عندما يتقدم الإنسان ويصبح شابا، فإنه في هذه المرحلة يبدأ يخاف الحكام والسلطات. ولذلك، يشير الله عزّ وجلّ بذكر كلمة “ملك الناس” إلى أن الإنسان يجب أن يلجأ ويتوجّه إلى الملك الحقيقي وأحكم الحاكمين وهو الله عزّ وجلّ.
المرّة الثالثة
المرحلة الثالثة من حياة الإنسان هي سن الشيخوخة. ففي العادة، يدرك الإنسان عند اقتراب نهاية حياته أنه بحاجة إلى التوجه إلى الله عزّ وجلّ أكثر بالعبادات والطاعات، فيبذل قصارى جهوده فيها. وللإشارة إلى ذلك استُخدمت كلمة “إِلهِ النَّاسِ”. وبلفظ آخر، على الإنسان أن يتوجه في تلك المرحلة إلى الله عزّ وجلّ توجها بالغا ويستعيذ به وحده، لأنه إله الناس – الإله الواحد.
صفات لله عزّ وجلّ الثلاثة المذكورة – وهو كونه عزّ وجلّ ربّا وملكا وإلها – كلها تشير إلى قدرته عزّ وجلّ على الحماية.
أمّا كلمة “رب”، فعندما تُنسب إلى شيء، فإنها تحمل معنى الملكية، مثل “رب الدار” أي مالكه، و”رب العبد” – أي – مالكه. و المالك يهتم بما يملكه ويسعى للحفاظ عليه وحمايته، فكلمة الرب تشير إلى الحماية والمحافظة.
وكلمة “ملك” تشير إلى الحماية، بأن الملك يعتني عادةً برعاية وحماية رعاياه.
و هكذا كلمة “إله” تشير إلى الحماية، لأن الإله يُعنى بخلقه.
فكون الله عزّ وجلّ جامعا لهذه الصفات الثلاثة يقتضي أن الله قادر على حماية خلقه، ولن تكون حماية أعظم من حماية الله عزّ وجلّ.
المرّة الرابعة
المرّة الرابعة التي كرّرت فيها “كلمة الناس ” تشير إلى الحالة التي يمر بها الإنسان طوال حياته، حيث يحاول الشيطان دائماً أن يضلّه ويغويه بإلقاء أفكار سيئة ووساوس في قلبه. ولذلك، علّم الإنسان أنه يجب عليه أن يلجأ إلى الله عزّ وجلّ مستعيذا به من الشيطان دائما.
المرّة الخامسة
 ذكرت كلمة “الناس” مرة خامسة ، إشارة إلى أعوان الشيطان الذين يساعدونه في عمله – وهو تضليل الخلق. وهم شياطين الإنس والجن.
وذلك لأن المصاحبة التي يختارها الإنسان تؤثر في تفكيره وسلوكه كثيراً، وتنتقل العادات والأفكار من قلب إلى قلب، فتتغير نظرة الإنسان تجاه الحياة.
الشيطان الموسوس
في هذه السورة، أطلق الله جل جلاله على الشيطان اسم “الْوَسْوَاسِ”. وكلمة “الْوَسْوَاسِ” تعني “الوسوسة”، وهو الفعل الذي يصدر منه جميع الأفعال. ولذلك، سمى الله عزّ وجلّ الشيطان بهذا الاسم، مستخدماً أصل الكلمة، ليدل على قدرته على تضليل الإنسان من خلال الوسوسة .
ذكر العلماء أن لقلب الإنسان الروحي جانبين مختلفين : على أحدهما ملك يحث الإنسان على الخير ويرغّبه فيه. وهذا في أحد جانبي القلب. وفي الجانب الآخر شيطان يحاول أن يوقع الإنسان في الشرّ ويغويه.
بعض فضائل سورتي الفلق والناس
عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال بينا أنا أسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الجحفة والأبواء إذ غشيتنا ريح وظلمة شديدة فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ ب (أعوذ برب الفلق) و (أعوذ برب الناس) ويقول يا عقبة تعوذ بهما فما تعوذ متعوذ بمثلهما (سنن أبي داود، الرقم: ١٤٦٥)
و في رواية أخرى عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  ألم تر آيات أنزلت الليلة لم ير مثلهن قط قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس (صحيح مسلم، الرقم: ٧١٤)
 وجاء في حديث آخر عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا أعلمك سورتين من خير سورتين قرأ بهما الناس؟ فأقرأني قل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، فأقيمت الصلاة، فتقدم فقرأ بهما، ثم مر بي، فقال: كيف رأيت يا عقبة بن عامر؟ اقرأ بهما كلما نمت وقمت (سنن النسائى، الرقم: ٥٤٣٧)

شاهد أيضاً

تفسير سورة النصر

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيْمِ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللّٰهِ وَالْفَتْحُ ‎﴿١﴾‏ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا …