بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيْمِ
تبت يدا أبي لهب
لما نزل قول الله عزّ وجلّ: وأنذر عشيرتك الأقربين، صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على جبل الصفا ونادى بأعلى صوته: يا صباحاه
فلم تتأخّر قريش في تلبية هذا النداء، واجتمعوا إليه ليسمعوا ما يقول.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا بني عبد المطلب، يا بني فهر، يا بني كعب! أرأيتم لو أخبرتكم أنّ خيلا (عدوّا) بسفح هذا الجبل تريد أن تغير عليكم، صدّقتموني؟!
فقالوا: نعم، ما جربنا عليك كذبا،
فقال صلى الله عليه وسلم: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد (إن لم تؤمنوا)
فقال أبو لهب: تبا لك، ألهذا جمعتنا؟ فأنزل الله: تبت يدا أبي لهب
ردّ الله عزّ وجلّ على أبي لهب بنفس الألفاظ التي دعا بها على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: تبت يدا أبي لهب.
في هذه الآية الكريمة، ذكر لفظ “اليد”، ومعناه الحقيقي الجارحة، وقد تذكر اليد ويراد بها كلّ بدن الإنسان، وهو المراد هنا، لأن بدن أبي لهب كلّه – لا يده فقط – سيدخل النار ويعذّب عذابا شديدا، وإنما ذكرت اليد لأنها تلعب دورا مهما للغاية في القيام بأفعال الإنسان وأعماله.
ويروى أن أبا لهب كان يقول: يعدني محمد أشياء، لا أرى أنها كائنة يزعم أنها بعد الموت، فلم يضع في يدي من ذلك شيئا، ثم ينفخ في يديه ويقول: تبّا لكما ما أرى فيكما شيئا، فنزلت السورة. (تفسير الرازي ٣٢/٣٥٠)
فكان أبو لهب يذمّ سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعاديه أشدّ العداوة بسبب دعوته إلى الله وحده وتبليغه دين الإسلام، فدافع الله عزّ وجلّ عن عرض سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولعن أبا لهب في القرآن الكريم.
لكن لم يتوقف ذلك الشقي عن إيذاء سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ولم يأل جهدا في محاولته إطفاء نور الإسلام، على رغم كونه ملعونا في القرآن الكريم.
وأصيب بعد غزوة بدر بسبع ليالٍ بمرضٍ معدٍ كالطاعون يسمى مرض العدسة وهي بثرة تخرج في البدن، فهجره أهله وأولاده ورفضوا الاقتراب منه، فمات شرّ ميتة وحيدا في غاية الذل والهوان.
ولما مات، تركوا جثته خوفا من أن يصيبهم ذاك المرض، حتى أنتنت وانتشرت رائحته الكريهة.
فلما أصر أهل البلدة أن تبعّد جثته عنهم، استأجروا عبدا لحفر حفرة ورميه فيها، فأبى أن يمسّ جثته بيده، فدفعوها بعود في الحفرة، وقذفوها بالحجارة من بعيد وواروها.
فهذا هو الذل والهوان الذي سلّط عليه في الدنيا قبل موته وبعده.
وما يترقبه في الآخرة أشدّ وأشنع كما ذكر في هذه السورة.
مَا أَغْنىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ
كان أبو لهب يباهي دائما بماله الكثير ويفتخر بأولاده الذين كانوا يقفون معه يؤيدونه ويعزرونه. وكان يقول: إن كان ما يقول ابن أخي حقا فإني أفتدي نفسي يوم القيامة من العذاب الأليم بمالي وولدي.
فردّ الله عزّ وجلّ عليه بأن ماله لا يغني عنه شيئا في الآخرة ولا يجديه ما كسب وادخر لنفسه يوم القيامة ليفتدي نفسه من العذاب المقيم الدائم في الآخرة.
و قد أراه الله عزّ وجلّ قبل موته شيئا مما سيلقى في الآخرة، حيث لم يغن عنه ماله ولا أولاده على رغم كونه أحوج إليهم.
فلم يكن معه أحد حينما اشتدّ به المرض وصار على وشك الموت. هجره أولاده وأهله وخلوه يموت شر ميتة.
سَيَصْلىٰ نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ ﴿٣﴾ وَامْرَاَتُهُ حَمَّالَةَ الحَطَبِ ﴿٤﴾
سَيَصْلىٰ: سيدخل
ذات لهب: ذات اشتعال وتلهب
كانت أم جميل – زوجة أبي لهب – شديدة العداوة لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل زوجها. وكانت تعاونه على معاداته للإسلام ولسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأنذرها الله عزّ وجلّ في هذه الآية العذاب الأليم الذي يترقبها في الآخرة.
حمالة الحطب
وصفها الله عزّ وجلّ بحمالة الحطب، لأنها – كما جاء في رواية – كانت تحتطب الشوك وتضعه في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا أحد تفاسير “حمالة الحطب”.
وعند بعض المفسرين، جملة “حمالة الحطب” كناية عن المشي بين الناس بالنميمة وإشعال نار العداوة وإشاعة السوء بينهم.
وذلك لأنها كانت تشيع أخبارا كاذبة عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لتوقد وتشعل نار العداوة والبغضاء بين الناس ضده صلى الله عليه وسلم.
فِىْ جِيْدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ ﴿٥﴾
جيدها: عنقها
مسد: ليف مفتول
تحشر يوم القيامة وفي عنقها طوق من حديد يشبه حبلا من ليف قد فتل فتلا شديدا، تعذب به.