كانت كلمات رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفعاله كلها مليئة بالنور والبركة، وبفضل ذلك كانت قلوب الناس تقبل على الإسلام بمجرد رؤيتهم لخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن.
فمن كان يريد أن ينظر في دين الإسلام بقلبٍ منفتح، كان يكفيه مجرد رؤية وجه رسول الله صلى الله وسلم المبارك أوسماع كلامه الطيب أو مشاهدة أفعاله ليتيقن بصدق هذا الدين ويشهد بجماله وبهائه.
وقد حفظت لنا كتبُ السنة النبوية العديد من الوقائع التي أسلم فيها أعداء الإسلام بعدما التقَوا بالنبي صلى الله عليه وسلم، أو سمعوا حديثه المبارك، أو شاهدوا أسوته الحسنة، فانقلبت قلوبهم من الكفر إلى الإيمان.
وفيما يلي مثالٌ على أحد هذه المواقف:
قال سيدنا زيد ين سعنة رضي الله عنه – وكان يهوديا ثم أسلم:
ما من علامات النبوة شيء إلا وقد عرفتها في وجه محمد – صلى الله عليه وسلم – حين نظرت إليه، إلا اثنتين لم أخبرهما منه: يسبق حلمه جهله، ولا تزيده شدة الجهل عليه إلا حلما
فخرج رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يوما من الحجرات ومعه علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – فأتاه رجل على راحلة كالبدوي، فقال: يا رسول الله، لي نفر في قرية بني فلان قد أسلموا ودخلوا في الإسلام، وكنت حدثتهم إن أسلموا أتاهم الرزق رغدا، وقد أصابتهم سَنة وشدة وقحط من الغيث، فأنا أخشى يا رسول الله، أن يخرجوا من الإسلام طمعا كما دخلوا فيه طمعا، فإن رأيت أن ترسل إليهم بشيء تغيثهم به فعلت، فنظر إلى رجل إلى جانبه – أراه عليا – فقال: يا رسول الله، ما بقي منه شيء
قال زيد بن سعنة رضي الله عنه: فدنوت إليه فقلت: يا محمد، هل لك أن تبيعني تمرا معلوما في حائط بني فلان إلى أجل معلوم، إلى أجل كذا وكذا؟ قال: ” لا تسم حائط بني فلان “، قلت: نعم، فبايعني
فأطلقت همياني فأعطيته ثمانين مثقالا من ذهب في تمر معلوم إلى أجل كذا وكذا، فأعطى الرجل وقال: ” اعدل عليهم وأغثهم بها ”
فلما كان قبل محل الأجل بيومين أو ثلاث، خرج رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ومعه أبو بكر وعمر وعثمان في نفر من أصحابه، فلما صلى على الجنازة ودنا إلى الجدار ليجلس إليه أتيته فأخذت بمجامع قميصه وردائه، ونظرت إليه بوجه غليظ، قلت له: يا محمد، ألا تقضيني حقي؟ فوالله ما علمتكم بني عبد المطلب إلا مطل، ولقد كان بمخالطتكم علم
ونظرت إلى عمر وعيناه تدوران في وجهه كالفلك المستدير، ثم رماني ببصره فقال: يا عدو الله، أتقول لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – ما أسمع وتصنع به ما أرى؟ فوالذي نفسي بيده، لولا ما أحاذر فوته (لولا أن أخشى فوت الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) لضربت بسيفي رأسك، ورسول الله – صلى الله عليه وسلم – ينظر إلي في سكون وتؤدة، فقال: ” يا عمر أنا وهو كنا أحوج إلى غير هذا، أن تأمرني بحسن الأداء وتأمره بحسن اتباعه (انظر إلى حلمه صلى الله عليه وسلم ونصحه سيدنا عمر رضي الله عنه على رغم عدم حلول الأجل لأداء الدين)
ثم قال صلى الله عليه وسلم: اذهب به يا عمر، فأعطه حقه، وزده عشرين صاعا من تمر مكان ما رعته
قال زيد رضي الله عنه: فذهب بي عمر فأعطاني حقي وزادني عشرين صاعا من تمر، فقلت: ما هذه الزيادة يا عمر؟ قال: أمرني رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن أزيدك مكان ما رعتك، قال: وتعرفني يا عمر؟ قال: لا، قلت: أنا زيد بن سعنة، قال: الحبر؟ قلت: الحبر، قال: فما دعاك إلى أن فعلت برسول الله – صلى الله عليه وسلم – ما فعلت، وقلت له ما قلت؟ قلت: يا عمر، لم يكن من علامات النبوة شيء إلا وقد عرفت في وجه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حين نظرت إليه، إلا اثنتين لم أخبرهما منه: يسبق حلمه جهله، ولا تزيده شدة الجهل عليه إلا حلما، وقد اختبرتهما، فأشهدك يا عمر أني قد رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا، وأشهدك أن شطر مالي – فإني أكثرها مالا – صدقة على أمة محمد – صلى الله عليه وسلم
فرجع عمر وزيد رضي الله عنهما إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال زيد رضي الله عنه: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وآمن به وصدقه وبايعه وشهد معه مشاهد كثيرة، ثم توفي في غزوة تبوك مقبلا غير مدبر.
(مجمع الزوائد، الرقم: ١٣٨٩٨)