قد كتب الله عزّ وجلّ للإنسان أن يواجه ابتلاءات ومصائب في حياته .
فقد يبتلى في نفسه بأن يُصاب بمرض عضال مثل السرطان أو سكتة القلب، وقد يبتلى بمشاكل في حياته الزوجية أو الاجتماعية.
وقد تنزل المصيبة بعائلة بأكملها، كانفصال العائلة، أو تُصاب بضيق مالي أو تتعرض لسرقة أوحادث يفقدون فيه أرواحًا عزيزة.
وأحيانًا، تُصيب المحنة أمةً بأسرها، كأن تعمّها الزلازل أو الإبادة الجماعية أو القحط.
فالإسلام هدى الإنسان طريق الرقي في كل موقع وبين له طريق النجاة من جميع الأزمات. وفيما يلي قصة طريفة يتضح منها كيف كان يتعامل الصحابة الكرام رضي الله عنهم مع المشاكل، وكيف كانوا يتخلصون منها.
رسالة سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى نهر النيل
لما فتح المسلمون مصر في خلافة سيدنا عمر رضي الله عنه، ولّى عليها سيدنا عمرو بن العاص رضي الله عنه.
وبعدما بدأ المسلمون يحكمون أرض مصر، لما دخل بوونة (الشهر العاشر من أشهر القبطيين)، أتى أهل مصر إلى سيدنا عمرو بن العاص رضي الله عنه وقالوا: أيها الأمير إن لنيلنا هذا سنة لا يجري إلا بها.
فقال لهم: وما ذاك؟ فقالوا: إذا كان ثنتا عشرة ليلة تخلو من هذا الشهر عمدنا إلى جارية بكر بين أبويها فأرضينا أبويها وجعلنا عليها من الحلي والثياب أفضل ما يكون ثم ألقيناها في هذا النيل.
فقال لهم سيدنا عمرو رضي الله عنه: إن هذا الأمر لا يكون أبدا في الإسلام، وإن الإسلام يهدم ما كان قبله (من أمور الجاهلية). فمكثوا بؤونة وشهرين بعده لا يجري قليل ولا كثير حتى هموا بالجلاء (بالانتقال إلى مكان آخر).
فلما رأى ذلك سيدنا عمرو رضي الله عنه، كتب إلى سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه فكتب إليه سيدنا عمر رضي الله عنه: إنك قد أصبت بالذي فعلت (بأنك أبيت أن تقوم بهذا الأمر الجاهلي)، وإن الإسلام يهدم ما كان قبله وبعث ببطاقة في داخل كتابه وكتب إلى سيدنا عمرو رضي الله عنه: إني قد بعثت إليك ببطاقة في داخل كتابي إليك فألقها في النيل.
فلما قدم كتاب سيدنا عمر رضي الله عنه إلى سيدنا عمرو بن العاص رضي الله عنه، أخذ البطاقة ففتحها فإذا فيها: من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى نيل مصر أما بعد فإن كنت إنما تجري من قبلك فلا تجر وإن كان الله الواحد القهار يجريك فنسأل الله الواحد القهار أن يجريك.
فألقى سيدنا عمرو بن العاص رضي الله عنه البطاقة في النيل وقد تهيأ أهل مصر للجلاء والخروج منها لأنه لا تقوم مصلحتهم فيها إلا بالنيل. فلما ألقى البطاقة، أصبحوا وقد أجراه الله ستة عشر ذراعا في ليلة واحد فقطع الله تعالى تلك السنة السوء عن أهل مصر إلى اليوم. (من تاريخ ابن عساكر ٤/٣٣٧)
يتجلى لنا من هذه الحادثة أنّ الصحابة رضي الله عنهم عندما كانوا يواجهون أيّ ابتلاء أو موقف صعب لا يعرفون فيه ما ينبغي لهم أن يفعلوه، كانوا دائمًا يرجعون إلى من هو أكبر منهم لطلب التوجيه الشرعي.
فقد رجع سيدنا عمرو بن العاص رضي الله عنه إلى سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، لأنه كان الخليفة وأكبر الصحابة رضي الله عنهم آنذاك .
وفي ذلك الموقف الحرج، علَّم سيدنا عمر رضي الله عنه الأمة درسا أعظم استقاه من حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الالتجاء إلى الله تعالى في جميع الأحوال.
فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلتجئ دائما إلى الله سبحانه وتعالى بالدعاء والاستغاثة كما فعل في غزوة بدر و أحد، وفي زمن الجدب والقحط، وحتى عند هبوب الرياح العاصفة، وكان يعلّم أمته أن يفعلوا مثل ذلك.
وهكذا يتضح من هذه القصة أن قلب سيدنا عمر رضي الله عنه كان منصرفا إلى الله تعالى وحده، والرسالة التي كتبها ووجّهها إلى نهر النيل دليلٌ واضح على انصرافه الكامل إلى الله تعالى.
ولما أجرى الله تعالى ماء النيل ببركة دعاء سيدنا عمر رضي الله عنه وتوجهه الصادق ورفعه رفعا بالغا في ليلة واحدة، كان ذلك كرامة ظهرت على يد سيدنا عمر رضي الله عنه.
والدرس العظيم الذي نتعلّمه من هذه القصة هو أن الصحابة رضي الله عنهم لما سلّموا حياتهم لله تعالى، سخّر الله لهم الكون وجعل كل شيء مطيعا لهم.
فإذا توجّهنا نحن أيضًا إلى الله تعالى في جميع شؤون حياتنا، فإنه سيمدّنا بعونه وتوفيقه، كما أمدّ الصحابة رضي الله عنهم.