تتفاقم الفتن والأشراط الصغرى قبل الكبرى
عندما ننظر في أشراط الساعة المذكورة في الأحاديث المباركة، نقف أن أشراطها الصغرى سبب ظهور العلامات الكبرى، ففي الواقع يكثر وقوع الأشراط الصغرى وتتفاقم الفتن تدريجيًا حتى تبلغ ذروتها التي تتلوها الأشراط الكبرى.
في بعض الأحاديث، شبّه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم شدة الفتن بأطراف الليل المظلم الذي يشتد ظلامه شيئا فشيئا، فقال: بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا، أو يمسي مؤمنا ويصبح كافرا، يبيع دينه بعرض من الدنيا (صحيح مسلم، الرقم: ١١٨)
ومن أسباب اشتداد الفتن حب المال، فالمرء يضحي لأجله بقيمه الدينية وحيائه، كما قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: … بين يدي الساعة تسليم الخاصة، وفشو التجارة، حتى تعين المرأة زوجها على التجارة، وقطع الأرحام … (مسند أحمد، الرقم: ٣٨٧٠)
خمس فتن مهلكة تحيط بسائر الفتن
إذا أمعن أحد النظر في الفتن المذكورة في الأحاديث المختلفة، يمكن له أن يجمعها في خمس فتن خطيرة للغاية: (١) التشبه بالكفار واليهود والنصارى (٢) فقدان الحياء (٣) عدم الاحترام والتعظيم للدين ولحقوق الناس (٤) حب المال واتباع الهوى (٥) إعجاب كل واحد برايه وعدم الرجوع إلى الدين وإلى العلماء الربانيين الراشدين.
إن هذه الفتن الخمسة المهلكة هي الأسباب الرئيسية لأضرار دينية جسيمة وتنتج عنها فتن عظيمة وشرور جمة.
التشبه بالكفار واليهود والنصارى
من الفتن الخمسة المدمرة، الفتنة الأولى هي تقليد الكفار واليهود والنصارى. وقد أخبر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن من الفتن التي تقع قبل الساعة ما تسبب في هلاك الأمة أنهم سيقلدون الكفار وطرقهم، فقال: لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر، وذراعا بذراع، حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه، قلنا يا رسول الله: اليهود، والنصارى قال: فمن (صحيح البخاري، الرقم: ٣٤٥٦)
وقد نهي المؤمنون في القرآن والحديث عن موالاة الكفار، والسبب في نهيهم عن موالاة الكفار أن المرء – بسبب موالاتهم – يقلدهم في طرقهم وملابسهم وتفكيرهم وثقافتهم وقيمهم لا محالة. وذلك يشغله عن الفرائض التي تجب عليه لله تعالى والمسلمين. ومما يشاهد أن الإنسان بمجرد الميلان إلى الكفار وثقافتهم يبدأ يعيش مثلهم ويعجب بقيمهم، وبالتالي ينبذ ثقافته وقيمه الإسلامية وراء ظهره.
انحطاط القيم الإسلامية
ذات مرّة، خطب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحابة رضي الله عنهم وذكر أمامهم أشراط الساعة المختلفة، فإذا أمعنّا النظر في الأشراط التي ذكرها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، نجد أنها تشتمل على الفتن الأربعة التي سبق ذكرها.
فعن سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا اتخذ الفيء دولا، والأمانة مغنما، والزكاة مغرما، وتعلم لغير الدين، وأطاع الرجل امرأته، وعق أمه، وأدنى صديقه، وأقصى أباه، وظهرت الأصوات في المساجد، وساد القبيلة فاسقهم، وكان زعيم القوم أرذلهم، وأكرم الرجل مخافة شره، وظهرت القينات والمعازف، وشربت الخمور، ولعن آخر هذه الأمة أولها، فليرتقبوا عند ذلك ريحا حمراء، وزلزلة وخسفا ومسخا وقذفا وآيات تتابع كنظام بال قطع سلكه فتتابع (سنن الترمذي، الرقم: ٢٢١١)
طريق النجاة من الفتن
روي عن أبي أمية الشعباني أنه قال: سألت أبا ثعلبة الخشني، فقلت: يا أبا ثعلبة، كيف تقول في هذه الآية: عليكم أنفسكم قال: أما والله لقد سألت عنها خبيرا، سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: بل ائتمروا بالمعروف، وتناهوا عن المنكر، حتى إذا رأيت شحا مطاعا، وهوى متبعا، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك – يعني – بنفسك، ودع عنك العوام، فإن من ورائكم أيام الصبر، الصبر فيه مثل قبض على الجمر، للعامل فيهم مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عمله، وزادني غيره قال: يا رسول الله، أجر خمسين منهم؟ قال: أجر خمسين منكم (سنن أبي داود، الرقم: ٤٣٤١)
يدلّ هذا الحديث على أن الطريق الوحيد للنجاة من الفتن في الزمن الخطير الذي تتفشى فيه الفتن في العالم هو أن تتمسك الأمة بالدين ولا يصاحبوا من وقع في الفتن.
وليعلم أن مضاعفة الأجر حتى يعادل أجر خمسين من الصحابة لا شك أنه نعمة عظيمة من الله تعالى على هذه الأمة. ذكر العلماء أن المضاعفة ترجع إلى الكمية لا الكيفية، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تسبوا أحدا من أصحابي؛ فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه (صحيح ابن حبان، الرقم: ٦٩٩٤)