الرئيسية / روضة الحب / روضة الحب – ٢٢

روضة الحب – ٢٢

وليّ عصره بشر الحافي رحمه الله

كان بشر الحافي من الأولياء الصالحين في عصره.

سئل رحمه الله ذات مرّة: ما كان بدء أمرك (أي: كيف فزت بما أنت عليه من الصلاح والتقى؟)

فقال: هذا من فضل الله وما أقول لكم؟ كنت رجلا عيارا صاحب عصبية (أي: لم أكن ملتزما بأمور الدين) فجزت يوما (أي: كنت ماشيا) فإذا أنا بقرطاس في الطريق فرفعته فإذا فيه: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فرفعت طرفي إلى السماء وقلت: سيدي، اسمك ها هنا ملقى ومسحته وجعلته في جيبي.

وكان عندي درهمان، ما كنت أملك غيرهما فذهبت إلى العطارين فاشتريت بهما غالية ومسحته في القرطاس وأدخلته شق حائط (أي: في مكان عال) فنمت تلك الليلة فرأيت في المنام كأن قائلا يقول: يا بشر بن الحارث! رفعت اسمنا عن الطريق وطيبته لأطيبن اسمك في الدنيا والآخرة! ثم كان ما كان. (من كتاب التوّابين لابن قدامة صـ ١٢٨ وتهذيب الكمال ٤/١٠٤)

يستفاد من هذه القصة أن الله عزّ وجلّ أكرم بشرا الحافي رحمه الله بسبب تعظيم اسمه ووفّقه لإصلاح حياته وأنعم عليه بفهم الكتاب والسنّة في الدين حتى صار من المحدّثين الكبار في عصره وروى عنه الإمام الجليل أحمد بن حنبل رحمه الله روى عنه واستفاد من علومه.

يذكر فيما يلي قصة شاهدة شهادة كاملة لمعرفته لله عزّ وجلّ وتفقّهه في الدين، ومن أجله اتّبعه الإمام أحمد رحمه الله:

كان في زمن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله طبيب اسمه عبد الرحمن. وكان يعالج الإمامين أحمد وبشرا رحمهما الله. قال:

اعتلَّ أحمد بن حنبل وبشر بن الحارث، فكنت أدخل على بشر فأقول: كيف تَجدك؟ فيحمد الله ثم يخبرني فيقول: أحمد الله إليك أجد كذا وكذا. وأدخل على أبي عبد الله أحمد بن حنبل فأقول: كيف تجدك يا أبا عبد الله؟ فيقول: بخير،

فقلت له يوما، إن أخاك بشراً عليلٌ وأسأله عن حاله فيبدأ بحمد الله ثم يخبرني، فقال لي: سَله عمن أخذ هذا؟ فقلت له: إني أهاب أن أسأله. فقال: قل له: قال لك أخوك أبو عبد الله (أحمد بن حنبل): عمن أخذت هذا؟

قال: فدخلتُ إليه فَعرَّفته ما قال، فقال لي: أبو عبد الله لا يريد الشيء إلا بإسناده؛ عن ابن عَون، عن ابن سيرين: إذا حمد الله العبدُ قبلَ الشكوى لم تكن شكوى، وإنما أقول لك: أجد كذا أعرِّف قدرة الله فيّ.

قال: فخرجت من عنده فمضيت على أبي عبد الله فَعرَّفته ما قال؛ فكنت بعد ذلك إذا دخلت إليه يقول: أحمد الله إليك، ثم يذكر ما يجده. (مناقب الإمام أحمد صـ 246)

تستفاد من هذه القصّة النقاط التالية:

١. يؤخذ العلم عن العلماء الربانيين ولا بدّ للمرء أن يحقّق ما سمعه قبل أن يعمل به.

٢. ليحمد العبدُ الله عزّ وجلّ في كل حال حتى في المشاكل والمصائب ، إظهارا لرضاه بقدر الله عزّ وجلّ وقضائه.

٣. ليتذكر العبد نعم الله التي لا تعدّ ولا تحصى إذا واجهته مشكلة، وليحمد الله.

٤. إذا حمد العبد ربّه قبل ذكر مشكلته، فهو لا يشكو قدر الله.

٥. يسنّ الأخذ بالأسباب المباحة لمعالجة الأمراض.

رزقنا الله عزّ وجلّ الفهم الصحيح للدين ووفّقنا للتأسي بسلفنا الصالح

شاهد أيضاً

مقارنة الإسلام بالأديان السابقة – روضة الحبّ – ٥٩

عندما نقارن الإسلام بالأديان السابقة، نجد أن الإسلام لم يحرّم المنكرات والسيئات فحسب، بل حرّم …