مفتاح البركة
ذات مرة، قدم وفد من الأشعريين من اليمن إلى المدينة المنورة مهاجرين. فلما وصلوا إلى المدينة المنورة، نفد زادهم. فأرسلوا رجلا منهم إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليسأله أن يزوّدهم بشيئ من الطعام. فلما وصل صاحبهم إلى باب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمعه يقرأ هذه الآية: وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِى ٱلْأَرْضِ إِلَّا عَلَى ٱللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا ۚ كُلٌّ فِى كِتَٰبٍ مُّبِينٍ (سورة هود:١١)
فظن في نفسه أنه لما تكفل الله برزق حميع المخلوقات، فلا حاجة إلى أن نسأل سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الطعام وقال في نفسه: ما الأشعريون بأهون الدواب على الله، أي أن الله تعالى يرزق الدواب فلا شك أنه سيرزقنا.
فلم يسأل سيدَنا رسول الله ورجع إلى قومه وقال لهم: أبشروا أتاكم الغوث، وظنوا أنه قد أبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم رسالتهم وأنه سيهيئ لهم شيئا.
فبينما هم كذلك إذ أتاهم رجلان يحملان قصعة مملوءة خبزا ولحما فأكلوا منها ما شاءوا. ثم رأوا أنه قد بقي كثير من الطعام واستحسنوا أن يردوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليفعل به ما يشاء. فقالوا لرجلين منهم: اذهبا بهذا الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم إنهم أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشكروه على ما أرسل إليهم فقالوا: يا رسول الله ما رأينا طعاما أكثر ولا أطيب من طعام أرسلت به، فتعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: ما أرسلت إليكم طعاما فأخبروه أنهم أرسلوا صاحبهم ليسأله أن يهيئ لهم شيئا من الطعام، فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره ما صنع، وما قال لهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذلك شي رزقكموه الله. (ملخّصا من تفسير القرطبي ٩/٧)
كل مخلوق يحتاج إلى الرزق للحياة. ولكن الرزق بيد الله وحده، يرزق من شاء ما شاء. فرزق المرئ لا يتوقف على عقله أو قوته أو مؤهلاته. وما أصدق قول الشاعر:
ينالُ الفتى من عيشهِ وهو جاهلٌ ويُكدي الفتى في دهره وهو عالم
ولو كانت الأرزاقُ تجري على الحجا (العقل) هلكن إذن من جهلِهنَّ البَهَائِمُ
وقد أوصى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمة قائلا: لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرُزِقْتُمْ كَمَا يُرْزَقُ الطَّيْرُ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا (سنن الترمذي، الرقم: ٢٣٤٤، وقال: هذا حديث حسن صحيح)
والتوكل على الله هو سر النجاح في الدنيا ومفتاح البركة في الرزق. ومن التوكل على الله أن يأخذ المرأ بالأسباب المباحة وألا يخالف أوامر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم أي مخالفة.
فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فاتقوا الله أيها الناس، وأجملوا في الطلب، فإن استبطأ أحد منكم رزقه، فلا يطلبه بمعصية الله، فإن الله لا يُنال فضلُه (أي البركة في الرزق) بمعصية.
ندعو الله تعالى أن يمن علينا بالتوكل الحقيقي وأن يملأ حياتنا بالخيرات والبركات وأن يجنبنا جميع المحرمات.