الرئيسية / روضة الحب / روضة الحب – ١٥

روضة الحب – ١٥

مصدر الفرح الحقيقي والسعادة الداخلية في الحياة

كان عبد الله بن مرزوق رجلا صالحا من أقران المحدثين الكبار كسفيان بن عيينة وفضيل بن عياض رحمهما الله. وكان في أول أمره منهمكا في لذات الدنيا وزخارفها، معرضا عن الدين. لكن أدركه فضل الله وتوفيقه فتاب وأصلح حياته.

وقصة توبته أنه كان في لهوه ذات مرة، شاربا للخمر، سامعا للأغاني، فلم يصل الظهر والعصر والمغرب وفي كل ذلك تنبهه جارية حظية له. فلما مضى وقت العشاء جاءت الجارية بجمرة فوضعتها على رجله فانزعج وقال: ما هذا؟ قالت: جمرة من نار الدنيا فكيف تصنع بنار الآخرة؟ فبكى بكاء شديدا ثم قام إلى الصلاة. ووقع في نفسه مما قالت الجارية، فتاب وأصلح حياته وترك المعاصي وعاش ببساطة وبذاذة وتصدق بماله في سبيل الله.

فدخل عليه سفيان بن عيينة وفضيل بن عياض فوجدا تحت رأسه لبنة وليس تحته شيء فقال له سفيان إنه لم يدع أحد لله شيئا إلا عوضه الله منه بدلا فما عوضك مما تركت له؟. قال: الرضى بما أنا فيه أي قناعة القلب (ملخّصا من كتاب التوابين صـ ١٢٢)

كل واحد منا يبحث عن السرور ويطلب طمأنينة القلب. فبعض الناس يبحثون عنه في أمتعة الدنيا من قصر أو سيارة فاخرة. وبعضهم يطلبونه في الألعاب والملاهي والسياحة والترفيه. لكن الله تعالى وضع السعادة الحقيقية وطمأنينة القلب في محبته وذكره وجعل حبه مصدر الفرح الحقيقي وطمانينةِ القلب، كما قال الله تبارك وتعالى: أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ‎﴿الرعد: ٢٨﴾‏

ولو تأملنا في جسد الإنسان، لأدركنا أن الله جعله ذا جهتين. الجهة الأولى هي  جسده الظاهري، والجهة الثانية هي جسده الباطني الذي يكمن فيه روحه.

أما جسد الإنسان الظاهري، فإن الله تعالى خلقه من التراب. ولذلك يحتاج الجسد الظاهري إلى أشياء الدنيا (من الطعام والشراب واللباس والبيت والسيارة) لغذائه وحياته. وأما الجسد الباطني وهو الروح، فإن الله تعالى لم يخلقها من الأرض، بل خلقها في السماء، فيكون غذائها وحياتها من الأشياء السماوية، وهي الصلاة والزكاة والصوم وغيرها من العبادات التي هي غذاء الروح.

فإذا صلى العبد وصام وتصدق وتلا القرآن الكريم وقام بغيرها من العبادات، فإن روحه تتغذى بغذائها الروحي الذي جعله الله الغذاء الحقيقي للروح.

ولو ارتكب الإنسان المعاصي والذنوب من النظر إلى المحرمات وأكل الحرام والسرقة والزنا والظلم والفواحش والقمار، فإن نور الإيمان يخرج من قلبه وتغشاه ظلمات الذنوب، فيحس بالشقاوة والضيق وتحرم روحه الفرح الحقيقي والسعادة القلبية.

وما أحسن ما قال الشيخ الكبير أشرف علي التهانوي رحمه الله: الحصول على السعادة الحقيقية لا يتوقف على كون الرجل ذا ثروة عظيمة. بل السعادة الحقيقية متوقفة على القناعة والطمانينة. ولا تحصل هذه القناعة والطمانينة إلا بامتثال أوامر الشرع وتقوية العلاقة بالله تعالى.

فإذا امتثل الإنسان أوامر الشرع، تمتع بالسعادة الحقيقية وإن لم يملك كثيرا من أمتعة الدنيا وزخارفها، ولو لم يمتثل أوامر الشرع، فلن يتمتع بالسعادة الحقيقية وإن كان يملك أموالا طائلة وخيرة من أمتعة الدنيا.

اللهم وفقنا لما تحب وترضى ورازقنا السعادة الحقيقية.

شاهد أيضاً

مقارنة الإسلام بالأديان السابقة – روضة الحبّ – ٥٩

عندما نقارن الإسلام بالأديان السابقة، نجد أن الإسلام لم يحرّم المنكرات والسيئات فحسب، بل حرّم …