الموت بسبب الوباء شهادة
دين الإسلام أعظم نعمة منّ الله تعالى بها على الإنسان. ويمكن أن يشبّه الإسلام بحديقة غنّاء خضراء، مليئة بأشجار متنوعة ذات الأثمار الطيبة وأزهار فائحة وورود ذكية. أينما يمشي الإنسان في هذه الحديقة، وجد ما يلتذ به أو يتفيأ ظله أو يعجب نظره أو يتمتع برائحة تشرح صدره. والشرط الوحيد للاستمتاع بهذه الحديقة الجذّابة الغناء أن يدخلها المرء ويشرح صدره لما فيها.
فكما أنه لا يمكن الحصول على خير هذه الحديقة إلا بدخولها وشرح الصدر لخيرها، كذلك لا يمكن الحصول على خير الإسلام إلا بالدخول فيها وشرح الصدر لخيره.
انظر – أيها القارئ – فيما يقول الله تعالى في القرآن الكريم: يٰأَيُّهَا الَّذِيْنَ ءامَنُوا ادخُلوا فِى السِّلمِ كافَّةً (سورة البقرة: ٢٠٨)
في هذه الآية الكريمة، عبّر الله تعالى عن الإسلام بالسِلْم أي السلام، إشارة إلى أن سلامة العالم مبنية على الإسلام وتعاليمه. فإذا التزم المرء بالقيم الإسلامية في حياته ونشر خير الإسلام بين الناس، عمر السلام والسعادة المجتمع. ولو التزم جميع المسلمين بالقيم الإسلامية ونشروها أينما كانوا، لساد السلام والسعادة وعمّا العالم كله ولعاش المسلمون والكفار جميعا في أمن وسلام.
الوسائل والطرق التي يمكن أن يكتسب بها المرء الجنة كثيرة لا تُحْصٰى. فأداء حقوق الله تعالى من أداء الصلاة والزكاة والحج والصوم، من الأسباب المؤدّية إلى الجنة. وكذلك أداء حقوق العباد من بر الوالدين والإحسان إلى الأقارب والجيران والإنفاق على الفقراء والمساكين واليتامى يُدخل المرء الجنة.
فالإسلام دلّنا على جميع وجوه الخير حتى أنه دلّنا على كسب الخير بعد مفارقة الدنيا، وعلى نفع الآخرين في الآخرة.
فممّا ينفع المرء بعد مفارقته الدنيا الشهادة أي: التشرف برتبة الشهادة. فإذا أراد الله أن يرفع رتبة عبد في الآخرة، رزقه الشهادة. وللشهيد فضائل كثيرة، فتغفر ذنوبه كلها وينجى من عذاب القبر ويعطى رتبة رفيعة في الجنة وكفاه شرفا وكرما أنه يشفع لسبعين رجلا إلى الله تعالى حتى يدخلهم الجنة.
وينبغي أن يعلم أن الشهيد الحقيقي هو الذي مات غازيا في سبيل الله تعالى، لكنّ الأحاديث الشريفة نصت على أسباب الشهادة الأخرى غير الموت في سبيل الله غازيا.
ومنها أن يموت المرء بالطاعون فإنه يعدّ شهيدا ويغفر الله جميع ذنوبه. وروي أيضا أنه صلى الله عليه وسلم قال: ليس من أحد يقع الطاعون، فيمكث في بلده صابرا محتسبا، يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له، إلا كان له مثل أجر شهيد (أي وإن مات حتف أنفه) (صحيح البخاري، الرقم: ٣٤٧٤)
وليُعْلَم أن الإنسان لا يتشرف برتبة الشهادة في زمن الوباء إلا إذا مات راضيا بقضاء الله وقدره.
ولما انتشر طاعون عمواس في بلاد الشام في خلافة سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، خطب الناس سيدنا أبو عبيدة رضي الله عنه فقال: أيها الناس، إن هذا الوجع رحمة بكم، ودعوة نبيكم، وموت الصالحين قبلكم، وإن أبا عبيدة يسأل الله أن يقسم لأبي عبيدة حظه فطعن فمات، واستخلف على الناس سيدنا معاذ بن جبل رضي الله عنه، فقام معاذ خطيبا فقال: أيها الناس، إن هذا الوجع رحمة بكم، ودعوة نبيكم، وموت الصالحين قبلكم، وإن معاذا يسأل الله أن يقسم لآل معاذ حقهم، فلما رجع من المسجد، وجد أن الطاعون قد أصاب ابنه، فاستمر في رعايته وتمريضه إلى أن توفي، ولم يلبث سيدنا معاذ رضي الله عنه إلا قليلا حتى رأى علامات الطاعون على يديه. فنظر إلى يديه، وقال من شدة الفرح: ما أحب أن لي بما فيك (أي يديّ) شيئا من الدنيا. ثم توفي رضي الله عنه (ملخصا من البداية والنهاية ١٠/٤٣ وكشف الأستار عن زوائد البزار، الرقم: ٣٠٤٢)
نلاحظ في هذه القصة كيف كان تعامل الصحابة رضي الله عنهم في زمن الوباء. فهم كانوا راضين تماما بقضاء الله تعالى وقدره وتيقنوا أنه رحمة من الله تعالى وسبب تحصيل رتبة الشهادة العالية في الآخرة. وكذلك لم يهجروا إقامة الصلاة في المساجد ولم يألوا جهدا في رعاية المرضى ومداواتهم.
ست نصائح مهمة لمن أصيب بالوباء أو بلية أخرى
ذكر الشيخ أشرف علي التهانوي – رحمه الله – ست نقاط مهمة لمن أصيب بالوباء أو أي بلية:
١. أن يعتصم المصاب الصبر عند المصيبة. فإن الصبر عند المصيبة علامة المومن الحقيقي. فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء، صبر فكان خيرا له (صحيح مسلم، الرقم: ٢٩٩٩)
٢. ألا يقنط ولا يياس من رحمة الله تعالى. بل يلزم عليه أن يرجُوَ رحمة الله تعالى ويتذكر أن قدرة الله وفضله قوق جميع الأسباب الدنيوية. ولا يقنط من رحمة الله تعالى إلا كافر، لأنه لا يؤمن بالقدر. ولا يقنط المؤمن الحقيقي من رحمة الله أبدا، بل يرضى بما قدر الله تعالى.
٣. لا تمنعْه المصيبة من أداء حقوق الله تعالى (كالصلاة مع الجماعة في المسجد وفق السنة) وأداء حقوق الخلق (كعيادة المرضى ورعايتهم، والمشاركة في تجهيز الجنازة والدفن)
٤. ليستمر في الدعاء وليتخذ الأسباب لرفع المصيبة (كتناول الأدوية). ولكن لا يتوكلْ على الأسباب، بل يتوكل على الله تعالى وحده. ويتضرع إلى الله تعالى أن يبارك في الأسباب ويجعلها مؤثّرة.
٥. ليلتزم الاستغفار والتوبة دائما.
٦. إذا أصابت بلية أحد إخوانه المسلمين، فليعتبر بلية أخيه بلية له، فليقم بالدعاء له، وإن أمكن له، فليساعده بالخطوات التي يتخذها إذا أصابته البلية. فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يؤمن أحدكم، حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه (صحيح البخاري، الرقم: ١٣) (ملفوظات حكيم الأمة ٢٣/١٧٤)
ندعو الله تعالى أن يوفق الأمة لفهم الدين وللتأسي بسنة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وللاقتداء بالصحابة رضي الله عنهم في جميع مجالات الحياة.