الرئيسية / روضة الحب / روضة الحب – ١١

روضة الحب – ١١

فقد الحياء – السبب الرئيسي للوباء

خلق الله تعالى قشر الفاكهة زينة وصيانة لها. فإذا أزيل القشر، ذهب جمالها وصيانتها، ولم تنشب أن تفسد وتتعفن ويذهب خيرها.

وهكذا، خلق الله اللباس للإنسان زينة له ووقاية من الحر والبرد. فإذا أزيل لباسه، ذهب جماله، ولم يبق له وقاء من الحر والبرد.

فكما خلق الله تعالى للإنسان لباسا ظاهريا زينة ووقاية لبدنه، كذلك خلق له لباسا روحانيا زينة ووقاية لروحه. وهذا اللباس الروحاني هو الحياء كما قال الله تعالى في القرآن الكريم: وَجَعَلَ لَكُم سَرٰبيلَ تَقيكُمْ الحَرَّ وَسَرٰبيلَ تَقيكُمْ بَأْسَكُمْ، وقال في موضع آخر: يـٰبَنى ادَمَ قَد أَنزَلنا عَلَيكُم لِباسًا يُوٰرى سَوءٰتِكُم وَريشًا ۖ وَلِباسُ التَّقوىٰ ذٰلِكَ خَيرٌ.

وقال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحياء شعبة من الإيمان (صحيح البخاري، الرقم: ٩) وقال في حديث آخر: إن لكل دين خلقا، وخلق الإسلام الحياء (سنن ابن ماجة، الرقم: ٤١٨١)

وحينما نتكلم عن الحياء، فالذي يخطر ببالنا هو الحياء في اللباس. لكن الحياء – وإن كان مهما للغاية في اللباس – لا يقتصر عليه. بل هو يشمل التحلي بالحشمة والوقار والآداب الإسلامية عند أداء حقوق الله تعالى وعند التعامل مع الخلق.

ولو درسنا حياة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأدركنا أنه صلى الله عليه وسلم كان مثالا حيا للحياء، في عبادته وأكله، وفي نومه وتعامله، حتى في قضاء الحاجة. ولم يغفل صلى الله عليه وسلم عن مقتضى الحياء في أي مرحلة من مراحل حياته أدنى غفلة. هذا إلى أنه صلى الله عليه وسلم اعتنى اعتناء خاصا بإرساخ الحياء وتثبيته في حياة الصحابة رضي الله عنهم، ليتميزوا تماما عن الكفار.

وإنما اهتم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتزام الحياء ذلك الاهتمام، لأنه درع يحافظ على إيمان المرء وأخلاقه وقيمه. فإن المرء إذا تحلى بالحياء، أرشده حياؤه إلى التعامل مع الحشمة والاحترام سواء كان يؤدي حقوق الله تعالى أو حقوق العباد.

ذات مرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للصحابة رضي الله عنهم: استحيوا من الله حق الحياء. فقالوا: يا رسول الله إنا نستحيي والحمد لله، قال: ليس ذاك، ولكن الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، ولتذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، فمن فعل ذلك فقد استحيى من الله حق الحياء (سنن الترمذي، الرقم: ٢٤٥٨)

وأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أنه يكون في آخر الزمان زمن خطير، لا يستحيي فيه الناس. فقال: لا يُتَّبَعُ فيه العليم، ولا يُستحيى فيه من الحليم، قلوبهم قلوب الأعاجم وألسنتهم ألسنة العرب (مجمع الزوائد، الرقم: ٨٦١)

في هذا الحديث الشريف، أشار صلى الله عليه وسلم إلى أن المسلمين لا يبقون ملتزمين بقيم الإسلام الحميدة حتى أنهم يتبعون تقاليد الكفار وعاداتهم.

ومن آثار فقدان الحياء في حياة الأمة المسلمة ما يشاهد في سلوكهم وتشبههم بالكفار. فأكثر بيوت المسلمين مبتلون ببلية التصوير وشرور التلفاز وشبكة الانترنت. وفي الأيام الحالية، بسبب الأجهزة الذكية، تيسر ارتكاب المعاصي بمجرد ضغط زر واحد، ولذا انتشرت المعاصي في العالم كله.

وإذا خلع الإنسان لباسه الروحي أي فقد الحياء في حياته، أحدقت بإيمانه ودينه أخطار الذنوب والشرور والفتن. فهو لا يتعامل مع الآخرين بالاحترام ولايبالي باداء حقوقهم. بل لا يهمه إلا ما فيه فائدة ذاته أو دنياه. فيتردد على أمكنة الإثم والفحش، ويصاحب قرناء السوء، ويسمع الأغاني، ويشاهد المحرمات على الانترنت والجوّال. وهذا كله بسبب فوت الحياء لله تعالى ورسوله ومخالفة أوامر الله تعالى وتعاليم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أنه إذا ظهرت الفاحشة في قوم، فشا فيهم الطاعون والوباء والأمراض والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم، ويتحير منها الناس. وأخبر صلى الله عليه وسلم أن الحل الوحيد في تلك الحالة أن يلتجئوا إلى الله تعالى متضرعين له تائبين إليه داعين كالغريق. (من سنن ابن ماجه، الرقم: ٤٠١٩، حلية الأولياء ٣/٤٨)

ندعو الله أن يوفق المسلمين جميعا للتأسي بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياتهم وأن يتوبوا إلى الله تعالى ويعودوا إلى السنة في جميع شعب حياتهم.

شاهد أيضاً

مقارنة الإسلام بالأديان السابقة – روضة الحبّ – ٥٩

عندما نقارن الإسلام بالأديان السابقة، نجد أن الإسلام لم يحرّم المنكرات والسيئات فحسب، بل حرّم …