الرئيسية / التفسير / تفسير سورة العلق

تفسير سورة العلق

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيْمِ

اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴿١﴾ خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ ﴿٢﴾ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ﴿٣﴾ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ﴿٤﴾ عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴿٥﴾

هذه الآيات الخمسة أول ما نزل من القرآن الكريم. وأول ما بدئ به سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة. فما كان يراه رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام ليلا، كان يقع في النهار مثل فلق الصبح.

ثم حبب إليه صلى الله عليه وسلم الخلاء فكان يخلو في غار حراء يتعبد ويذكر اللهَ تعالى فيه لفترات مديدة وكان يتزود لذلك. وكان يمكث بالغار لعشرة أيام أحيانا، ولعشرين يوما في بعض الأحيان، ولشهر تارة، يسبح الله تعالى ويذكره.

ذات مرة، كان صلى الله عليه وسلم يخلو بغار حراء، فجاءه سيدنا جبرئيل عليه السلام فقال: اقرأ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أنا بقارئ، فغطه سيدنا جبرئيل عليه السلام حتى أحس بالألم ثم تركه فقال: اقرأ فقال صلى الله عليه وسلم مرة ثانية: ما أنا بقارئ، فغطه مرة ثانية وضمه إليه وقال: اقرأ، فأجاب صلى الله عليه وسلم مرة ثالثة بأنه ليس بقارئ، فغطه مرة ثالثة وقرأ هذه الآيات الخمسة. وآنذاك أعطي سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم النبوة.

ثم رجع سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته وكان مشوشا بعظم أعباء الرسالة وأداء مهماتها، فقص على سيدتنا خديجة رضي الله عنها ما حدث وذكر لها ما يهمه. فسلّته سيدتنا خديجة رضي الله عنها وشدت عزيمته وأكدت له أن الله تعالى سينصره دائما أبدا لما يتصف به من الخصائل الحميدة والشمائل الكريمة.

وورد في الحديث الشريف أن سيدتنا خديجة رضي الله عنها قالت لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:

كلا، أبشر فوالله لا يخزيك الله أبدا، فوالله إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق (صحيح البخاري، الرقم: ٤٩٥٣)

فارتاح صلى الله عليه وسلم بما قالت سيدتنا خديجة رضي الله عنها. وأول من اعتنق الإسلام على يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت سيدتنا خديجة رضي الله عنها.

اِقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِىْ خَلَقَ ﴿١﴾ خَلَقَ الْاِنْسٰنَ مِنْ عَلَقٍ ﴿٢﴾

العلق: قطعة من الدم الغليظ

في بداية السورة، أمر الله تعالى الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يبدأ قراءته باسم ربه تعالى. فلنبدأ أيضا قراءة القرآن الكريم ببسم الله الرحمن الرحيم.

وفي هاتين الآيتين، وصف الله تعالى ذاته للإنسان، كما أنه ذكّر الإنسان بمبدأه النجس وهو قطعة من الدم الغليظ أي أن الله تعالى خلق الإنسان من قطعة يسيرة من الدم النجس، لكنه كرّمه وشرفه وخلقه في أحسن تقويم وأجمل صورة وأعطاه قوة تمكّنه من أن يسبق على الملائكة صلاحا وتقوى.

اقْرَأ وَرَبُّكَ الأَكرَمُ

أمر الله تعالى في هذه الآية الكريمة بالقراءة مرة ثانية مع ذكر إحدى صفاته وهو الاكرم. وفيه إشارة إلى أن الإنسان لا يقدر على قراءة القرآن وذكر الله إلا بكرم الله ورحمته.

الَّذىْ عَلَّمَ بِالقَلَمِ ﴿٣﴾ عَلَّمَ الاِنْسَانَ ما لَم يَعْلَمْ ﴿٥﴾

علم الله تعالى الإنسان استعمال القلم الذي يرتقي به إلى العلوّ في أمور الدين ويتقرب به إلى الله تعالى. ومن المعلوم أن الله تعالى قادر على أن يعلم الإنسان بدون القلم، كقدرته على التعليم بالقلم، فهناك وسائل كثيرة – مثلا: قوة السمع والبصر وقوة الفهم – شرف الله تعالى الإنسان بها ومكّنه من تحصيل العلوم والمعارف وبِها يدرك الصواب في قراراته.

كَلّا إِنَّ الإِنسانَ لَيَطغىٰ ﴿٦﴾ أَن رَاهُ استَغنىٰ ﴿٧﴾

إن الله تعالى قد منح الإنسان قدرات مختلفة ووهبه ملكات شتى تمكنه من فهم الأشياء وإدراكها. على الرغم من ذلك، ينسى الإنسان أن الله تعالى هو الذي أسبغ عليه جميع النعم التي يستمتع بها، فيبدأ ينسب كل إنجازاته إلى جهوده، ويجعلها نتائج مساعيه، وبالتالي، يغفل عن الله تعالى بالكليّة ويعيش عيشة ضائعة خاسرة يسعى وراء شهواته ويتبع خطوات الشيطان وينتهك محارم الله تعالى.

أوضح الله تعالى في هذه الآية الكريمة أن السبب الرئيسي في انتهاك الإنسان محارم الله تعالى وتجاوزه حدوده ومعصيته لله تعالى أنه يعتبر نفسه مستغنيا. يزعم أنه يملك المال والقدرة فلا حاجة له إلى أن يسمع لأحد، وذلك لأنه نسي بدايته وغفل عمّا خلق، فإن الإنسان – ما دام يتذكر بدايته الضعيفة والمهينة ولا ينسى فضل الله وكرمه عليه – يبقى على الخير والهدى.

هذه الآية الكريمة تشير إلى أبي جهل الذي كان يعد نفسه مستغنيا ويظن أن جميع نعمه وإنجازاته بسبب جهوده الذاتية ومواهبه الشخصية، فكان ينتهك محارم الله ويتجاوز حدود الشرع ويعصي الله تعالى، مع أنه تعالى أسبغ عليه نعما كثيرة وأموالا طائلة وأنعم عليه بالعز والشرف في المجتمع، وكان أبو جهل من قبيلة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكنه لم يؤمن برسول الله صلى الله عليه وسلم، بل عاداه وباغضه جهرا، ولم يكن ذلك إلا بسبب كبره وزهوه.

إِنَّ إِلىٰ رَبِّكَ الرُّجعىٰ ﴿٨﴾

في هذه الآية الكريمة، يذكر الله تعالى الإنسان بأنه سيموت وسيرجع إلى الله تعالى. ولا محيص له عن مغادرة هذه الدنيا الفانية والرجوع إلى دار الآخرة التي يخلد فيها حيث يحاسب على أعماله.فالإنسان يسير على الهدى ويبقى على الخير مادام يتذكر الآخرة ويخشى الحساب.

أَرَءَيتَ الَّذى يَنهىٰ ﴿٩﴾ عَبدًا إِذا صَلّىٰ ﴿١٠﴾

في هذه الآية الكريمة، ذكر الله تعالى فعل أبي جهل الشنيع. كان من عادته الخبيثة أنه كان يستشيط غضبا كلما رأى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وكان يحاول أن يمنعه عن الصلاة.

ذات يوم رأى أبو جهل سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في الحرم، فاشتد غضبه وقال له صلى الله عليه وسلم: لئن رأيتك تصلي مرة أخرى لأطأن على رقبتك.

ففي هذه الآية الكريمة، يؤكّد الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم أن أبا جهل لا يقدر أن يؤذيه وأن ينال منه بسوء، لأن الله تعالى معه صلى الله عليه وسلم في كل حين وآن.

أَرَءَيتَ إِن كانَ عَلَى الهُدىٰ ﴿١١﴾ أَو أَمَرَ بِالتَّقوىٰ ﴿١٢﴾ أَرَءَيتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلّىٰ ﴿١٣﴾ أَلَم يَعلَم بِأَنَّ اللَّـهَ يَرىٰ ﴿١٤﴾

في هذه الآيات الكريمة، يثني الله تعالى على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه على الهدى وهو يأمر بالمعروف والتقوى، ويذم الله تعالى أبا جهل لتكذيبه بالحق ومنعه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة.

وفي قوله تعالى: أَلَم يَعلَم بِأَنَّ اللَّـهَ يَرىٰ إشارة إلى أن الله تعالى سيحاسب أبا جهل على أفعاله الشنيعة ويعاقبه عليها في الآخرة أشد العقاب.

كَلّا لَئِن لَم يَنتَهِ لَنَسفَعًا بِالنّاصِيَةِ ﴿١٥﴾ ناصِيَةٍ كـٰذِبَةٍ خاطِئَةٍ ﴿١٦﴾ فَليَدعُ نادِيَهُ ﴿١٧﴾ سَنَدعُ الزَّبانِيَةَ ﴿١٨﴾ كَلّا لا تُطِعهُ وَاسجُد وَاقتَرِب ﴿١٩﴾

لنسفعا بالناصية: لنجرّن بناصيته إلى النار

فليدع ناديه: أهل ناديه، والنادي هو المجلس، يتحدث فيه القوم

الزبانية: الملائكة الغلاظ الشداد

كان أبو جهل متكبرا متمردا فخورا بماله وسيادته. وكان يزعم أن له أتباعا من الناس، إذا دعاهم استجابوا له وامتثلوا لأوامره.

ففي هذه الآيات الكريمة، أنذر الله تعالى أبا جهل أنه يعذَّب عذابا شديدا إذا أراد أن ينهى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة، وأن الملائكة ينصرون سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه (أبي جهل) ويهلكونه عضوا عضوا إذا حاول أن ينال منه صلى الله عليه وسلم بسوء.

روي أن أبا جهل توجه مرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ليطأ على رقبته، فما فجأهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه ويتقي بيديه، فقيل له: ما لك؟ فقال: إن بيني وبينه خندقا من نار، وهَوْلًا وأجنحة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضوا عضوا.

شاهد أيضاً

تفسير سورة النصر

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيْمِ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللّٰهِ وَالْفَتْحُ ‎﴿١﴾‏ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا …