بِسْمِ ٱللَّـهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ
وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ ﴿١﴾ وَطُورِ سِينِينَ ﴿٢﴾وَهَـٰذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ
أقسم الله تعالى في هذه الآيات الكريمة على أربع بقاع مقدّسة ومباركة في العالم وهذه الأماكن كانت مباعث كثير من الأنبياء ومراكز الهداية والنور.
والتين والزيتون: هما يرجعان إلى فلسطين والشام اللتين تنبت فيهما هاتان الثمرتان بكثرة كاثرة، وبُعِثَ أنبياء كثيرون فيهما للدعوة إلى الله تعالى وتبليغ دينه. ومما تمتاز به فلسطين أنها مولد سيدنا عيسى عليه السلام ومبعثه ومركز دعوته وتبليغه.
وطور سينين: جبل كلّم الله تعالى سيدنا موسى عليه السلام عليه.
وهذا البلد الأمين: المراد به مكة المكرمة التي من دخلها كان آمنا، فلا يجوز أن يقتل فيها إنسان أو حيوان. وهذا البلد الأمين المقدس أشرف الأماكن وأعظمها على وجه الأرض كما أنه مولد خاتم النبيين سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت وطنه المبارك إلى أن هاجر إلى المدينة المنورة.
فالحاصل أن الله تعالى أقسم بهذه الأماكن لما فيها من خيرات وبركات يخلو منها غيرها من الأماكن في مشارق الأرض ومغاربها.
لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴿٤﴾ ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ ﴿٥﴾ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ ﴿٦﴾
بعدما أقسم الله تعالى بهذه البقاع الأربعة المقدسة، ذكر مقصود الأقسام، فقال: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ، أي خلقناه على أحسن ما يكون صورة وشكلا وأشار الله تعالى بذلك إلى أنه تعالى فضل الإنسان على سائر مخلوقاته كما فضل البقاع المقدسة المذكورة على غيرها.
فإذا أصلح المرء حياته واتبع ما أنزل الله على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الهداية والتعليمات الحسنة، فإنه يستطيع أن يفوق الملائكة رتبةً. وإذا ارتكب المعاصي و أهان نفسه بالذنوب، فإنه يصير أسفل السافلين عند الله تعالى.
وذكر بعض المفسرين أن المراد من هذه الآية الكريمة أن الله تعالى خلق الإنسان في أعدل قامة وأحسن صورة يتمتع بها في عنفوان شبابه. وعندما يبلغ الشيخوخة ويصير مسنّا، يضعف بدنه وتزول قوته وتذهب نضرته وجماله. فذكر الله جلّ وعلا في هذه الآية الكريمة أن الإنسان – إذا كان صالحا تقيا – يبقى مكرّما عند الله تعالى وتكتب أعماله الحسنة باستمرار وإن ضعف بدنه وردّ إلى أرذل العمر وزال حسنه وجماله.
فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ ﴿٧﴾ أَلَيْسَ اللّٰـهُ بِاَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ ﴿٨﴾
في الآيات السابقة، ذكّر الله تعالى الإنسان بأنه خلقه في أحسن تقويم وفضّله على غيره من المخلوقات، كما أنه أخبره أن نجاحه يتوقف على الصلاح والتقوى وإطاعة الله ورسوله . أما إذا ارتكب المعاصي والذنوب وعصى الله ورسوله، فإنه يرد إلى أسفل السافلين ويهان عند الله تعالى.
وكذلك أخبر الله تعالى الإنسان أنه سيضعف بعد قوته ويبلغ الهرم. فليتعلم من هذا التغير أن حياته ستنتهي يوما وتتلوها الحياة الأخروية الدائمة.
وفي هذه الآية الكريمة، يُطلِع الله تعالى الإنسان أنه سيموت يوما فيدخل القبر ويوقف بين يدي الله تعالى، يقول الله تعالى: فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ، أي فكيف تكذب بالآخرة مع أنك شاهدت ما حدث في حياتك من التغيرات والتقلبات وأدركت أنك ستموت يوما.