بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيْمِ
أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ﴿١﴾ وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ ﴿٢﴾ الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ ﴿٣﴾
ألم نشرح أي ألم نوسع
وضعنا أي حططنا
وزرك أي أعباء النبوة
أنقض أي أثقل
عندما كان ينزل الوحي على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يعاني شدة وثقلا ، حتى لو كان جالسا على جمل، لبرك الجمل من أجل شدة ثقل الوحي.
يذكر الله تعالى في بيان عظمة الوحي قائلا في القرآن الكريم: لَوْ أَنزَلْنَا هَـٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّـهِ ۚ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴿٢١﴾
فما أعظم الوحي وأثقله! على الرغم من ذلك، حمله سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأداه كما حمله، لأن الله تعالى وسع قلبه وشرح صدره لذلك.
يذكر الله تعالى في الآيات المذكورة أنه تعالى أزال عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وحط عنه الأحمال التي أثقلت ظهره وأنقضته. والمراد بالأحمال ما كان يعانيه عندما كان يوحى إليه، وكذلك يراد بها أعباء الرسالة وتبليغ القرآن الكريم والدين المتين الأمةَ إلى يوم القيامة. ولو لم يشرح الله تعالى صدره صلى الله عليه وسلم ولم يساعده على تحمل أعباء الوحي والرسالة، لما استطاع حمله ولما أمكن له.
وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ
في هذه الآية المباركة، بين الله تعالى حبه البالغ لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومكانته الرفيعة التي أكرمه الله بها بحيث قرن ذكره صلى الله عليه وسلم بذكره حتى أن اسمه صلى الله عليه وسلم يذكر كلما ذكر اسم الله تعالى كما في كلمة الشهادة عند الدخول في الإسلام، وفي الأذان والإقامة، وفي الخطبة، وفي التشهد في الصلاة، ولو لم يذكره المصلي في التشهد ولم يصل عليه، لبقيت صلاته ناقصة.
هذا إلى أن الله تعالى أثنى على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومدحه ورفع شأنه بذكره مرات وكرات بأساليب شتى في مواضع عديدة من القرآن الكريم.
فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ﴿٥﴾ إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا
من نظام الله تعالى أنه جعل الدنيا دار المحن والبليات. فالإنسان يواجه تحديات متنوعة ومشكلات شتى في مراحل حياته المختلفة: فأحيانا يبتلى بصحته، وأحيانا يصاب بماله، وقد يفتن بزوجته وأولاده وغيرهم. ولا مفر لأحد من الابتلاء والامتحان، فكل إنسان – مهما كانت منزلته ومكانته – يصادفه شيئ من المحن والبلايا، سواء كانت جسدية أو فكرية أو عاطفية.
ولكن الله تعالى أخبرنا في هذه الآية الكريمة أن كل عسر يعقبه يسر وكل كرب بعده فرج. فلا بقاء لأزمة ولا دوام لمصيبة.
فالمؤمن إذا استقام على دين الله تعالى وواظب على طاعته وتيقن بوعده وآمن بما قال الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، فلا شك أنه ينال اليسر بعد كل عسر.
فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ ﴿٧﴾ وَإِلَىٰ رَبِّكَ فَارْغَب
فانصب: أي فاتعب
في هذه الآية المباركة، يقول الله تعالى لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا انتهيت من وظيفة التبليغ وإرشاد الأمة فيما يحتاجون إليه من أمور دينهم، فتوجه إلى ربك وبالغ في عبادته.
ومِن هذه الآية استنبط العلماء الكرام أن المشتغلين بالخدمات الدينية يلزم عليهم أن يهتموا اهتماما بالغا بكثرة العبادات وذكر الله تعالى وإصلاح نفوسهم وتزكية قلوبهم وتقوية العلاقة مع الله جل جلاله كما أنهم يهتمون بتعليم الدين وتبليغه ويعتنون يحث الناس على الأعمال الصالحة وإرشادهم إلى خير الدنيا والآخرة.
ومما يقتضيه العقل أن يُعنى الإنسان بتقدمه ورقيّه مع صرف عنايته إلى إرشاد الأمة وتعليمهم، ولا يليق قطعا ألا بفكر الإنسان إلا في نفسه ولا يشتغل إلا بذاته غافلا عما يحتاج إليه الأمة المسلمة، كما أنه لا ينبغي ألا يفكر إلا في أمور الأمة غافلا عن نفسه، بل ينبغي التوازن بينهما.