الرئيسية / التفسير / تفسير سورة الكوثر

تفسير سورة الكوثر

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيْمِ

إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (١)

الكوثر: الخير الكثير‏

في هذه السورة الكريمة، خاطب الله عزّ وجلّ سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ

ومن الخير الكثير الذي أفاضه الله عزّ وجلّ على سيدنا في الدنيا هو رفع اسمه المبارك وإكرامه، ونشر دينه الذي جاء به وإعلاؤه، فمن فضل الله العظيم عليه أن عدد أتباع دينه يزداد يوما فيوما والناس ما زالوا -ولا يزالون – يدخلون في دينه منذ أكثر من أربعة عشر قرنا. وهذا كله من الخير الكثير الذي أعطى الله عزّ وجلّ سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم في الدنيا.

وأمّا في الآخرة فيعطي الله عزّ وجلّ سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مزيدا من الخير الكثير والنعم العظيمة. ومنها أن أمته تكون أكبر من سائر الأمم، بل تكون أمته أكبر من جميع الأمم مجتمعة، كما قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: أهل الجنة عشرون ومائة صف هذه الأمة منها ثمانون صفا (صحيح ابن حبان، الرقم: ٧٤٥٩) فأمة سيدنا رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم تكون ثلثي أهل الجنة.

هذا إلى أن الله عزّ وجلّ يكرم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم القيامة بالمقام المحمود، وهو أن يشفع رسول الله صلى الله عليه وسلم لجميع الخلق إلى الله عزّ وجلّ أن يبدأ الحساب.

هذا إلى أن الله عزّ وجلّ قد شرّف سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يكون سيد الأنبياء والرسل، فجميع الأنبياء يكونون تحت لوائه عندما يشفع صلى الله عليه وسلم لجميع الخلق.

فعن سيدنا أبي سعيد رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وبيدي لواء الحمد ولا فخر، وما من نبي يومئذ آدم فمن سواه إلا تحت لوائي، وأنا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر (سنن الترمذي، الرقم: ٣٦١٥، وقال: هذا حديث حسن)

ومن الخير الكثير الذي يعطي الله سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حوض الكوثر. فهو يسقي أمته منه.

قد ورد في الحديث أن أمته ترد حوضه يوم القيامة، فيسقيهم ماء أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل، كما أنه روي أن أكوابه عدد نجوم السماء من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا

وقد جاء في الخبر أن بعض الناس يردون على حوضه صلى الله عليه وسلم فيحسبهم من أمته، لكن املائكة يذودونهم عن حوضه صلى الله عليه وسلم، فيناديهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا هلموا، فيقول له الملائكة: إنهم قد بدلوا بعدك، ولم يزالوا يرجعون على أعقابهم

فهم كانوا يتظاهرون في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم بأنهم مسلمون، لكن خرجوا من الإسلام بعده صلى الله عليه وسلم، أعاذنا الله من أن نكون منهم.

فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ‎(٢)

في الآية السابقة، أخبر الله تعالى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بما أفاض عليه من النعم الجمة والعطايا الكثيرة التي لم تمنح أحدا من الخلق سواه.

ففي هذه الآية، يدعو الله عزّ وجلّ سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إدامة الصلاة والنحر قائلا: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ، ‎أي توجّه إلى الله عزّ وجلّ مصليا وانحر شكرا له على ما أولاك من الخيرات.

وإذا كان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فد أعطاه الله عزّ وجلّ النعم العظيمة في الدنيا والآخرة، ونحن – أمته صلى الله عليه وسلم – أيضا نستمتع بما أفيض عليه من الخير والبركات، لأن خير النبي وبركاته تجري إلى أمته وتنفعهم. فتطلّب هذه الآية منا أيضا أن نشكر الله عزّ وجلّ بأداء الصلاة والتضحية.

ومن صور التضحية ذبح الأضحية التي نعرفها، لكن هناك عدد من التضحيات الأخرى التي يجب أن نقوم بها وهي مما يتعلق بنفوسنا وأموالنا وأفعالنا.

وهذه التضحيات تدخل في الجهود العامة التي لا بدّ أن يقوم بها أفراد الأمّة المحمدية شكرا لله تعالى.

إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ

شانئك: مبغضك

المراد من كلمة “أبتر” المذكورة في هذه الآية: الذي انقطع نسله ونسبه.

لما مات أبناء النبي صلى الله عليه وسلم: سيدنا قاسم رضي الله عنه وسيدنا إبراهيم رضي الله عنه، تهكم الأعداء به صلى الله عليه وسلم قائلين: دعوه فإنه رجل أبتر لا عقب له أي لا نسل له، وستنقطع رسالته عن قريب كما انقطعت ذريته، لأن مهمة المرء تبقى خالدة بذريته وأولاده على العموم.

ففي هذه الآية يسلي الله تعالى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلا له: إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ. (أي: مبغضك هو المقطوع ولن تكون مقطوعا أبدا)

والمقصود من هذه الآية الكريمة أن اسمه صلى الله عليه وسلم وشرفه وعزّه ورسالته وكل ما أسبغه الله عليه وعلى أمته من النعم العظيمة ستستمر إلى يوم القيامة.

فقد نسخت شريعة كل نبي وكتابه ببعثة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تبقى إلا شريعة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكتابه إلى آخر الزمان.

والحاصل أن الله تعالى يطمئن في هذه الآية حبيبه صلى الله عليه وسلم أن عدوه العاص بن وائل أو كعب بن أشرف أو كل من أساء إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم سينقطعون ولن يبقى ذكرهم. فلو لم يكن تفسير هذه الآيات أو ذكر سيرة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما كان لأسماء هؤلاء الأعداء أثر ولما بقي ذكرهم مطلقا، فالذين نالوا من عرض سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وتهكموا به قد قطع دابرهم ومحا الله عزّ وجل أسماءهم وآثارهم من الدنيا تماما.

وبالعكس، ذرية سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من السيدة فاطمة رضي الله عنها باقية حتى اليوم، وستستمر إلى يوم القيامة.

فقبل القيامة، يقود الإمام المهدي رضي الله عنه المسلمين، وهو يكون من ذرية سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من السيدة فاطمة رضي الله عنها.

هذا إلى أن الغرض الذي يحب المرء لأجله أن تستمر ذريته هو أن يسعوا لإقامة أهدافه بعد موته ويحملوا القيم التي كان يسعى لتحقيقها طوال حياته، رجاء أن تنتشر في العالم وتنفعه في الآخرة.

فأمة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هي ذريته الروحية – لأنهم يؤمنون به ويتبعونه وينشرون رسالته. وسيستمر هذا النسل يزداد ويتكاثر إلى يوم القيامة.

فهناك مئات وآلاف بل ملايين من الناس في جميع أنحاء العالم يحبّون بذل أموالهم ودمائهم من أجل سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولا شك أن أعظم شخص في العالم هو سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكتابه (القرآن الكريم) هو الكتاب الأكثر قراءة في العالم بأسره وهكذا خلد الله عز وجل ذكره ورفع اسمه، وأما أعداؤه فقد قطع دابرهم بكل معنى الكلمة.

ومن الدروس المهمة التي نتعلمها من هذه السورة هو أنه يجب علينا أن ندعم بكل طريق ممكن من يعمل عملا حسنا ويحاول نشر الخير، فإذا فعلنا ذلك، نعطى نصيبا من خيره.

وعلى العكس، إذا انتقدنا فاعل الخير وقدحنا في خدماته النافعة للإسلام والمسلمين، نصبح مثل العاص بن وائل عدو رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي انتقد النبي صلى الله عليه وسلم وطعن فيه لأجل نشره الدين والخير بين الناس.

فإذا اتبعنا طريقه – طريقة العاص بن وائل عدو الله تعالى – يقطع دابرنا وتمحى أسماؤنا وآثارنا كما كان أمره.

لكن إذا سلكنا طريق السنة ودعمنا ناشرها بكل طريق، يجعل الله تعالى أسماءنا باقية وأعمالنا الحسنة منتشرة في العالم، حتى بعد وفاتنا.

شاهد أيضاً

تفسير سورة النصر

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيْمِ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللّٰهِ وَالْفَتْحُ ‎﴿١﴾‏ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا …