الرئيسية / التفسير / تفسير سورة الماعون

تفسير سورة الماعون

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيْمِ

أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ ‎﴿١﴾‏ فَذٰلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ ‎﴿٢﴾‏ وَلَا يَحُضُّ عَلٰى طَعَامِ الْمِسْكِينِ ‎﴿٣﴾‏

يَدُعُّ – أي: يدفع بعنفٍ وشدة

للدين معان، منها: الإسلام، ومنها: الحساب. فيمكن أن يكون المراد من “الذي يكذب بالدين” الكافر الذي يكذّب بدين الإسلام أو بيوم الحساب.

حكي أن هذه الآيات الأولى نزلت في العاص بن وائل الذي اشتهر بالبخل، لكنها لا تقتصر عليه، بل هي عامة، تنطبق على غيرهم أيضا. فيلزم على كل مسلم أن يتعظ بما في هذه السورة ويحترز من دفع اليتامى وقهرهم ومن الامتناع عن إطعام الفقراء والمساكين.

والفارق المميّز بين المسلم والكافر هو الإيمان بالآخرة وخوف الحساب فيها. أما الكافر فلا يؤمن بالآخرة، ولذلك لا يخاف الحساب يوم القيامة، ولا يبالي في الدنيا بالأيتام ولا بالفقراء والمساكين، بل يفتخر بما عنده من المال والقوّة ولا يدري أن الأحوال ستتغير في المستقبل، وأن الله تعالى قادر على أن أن يخطف ماله، ويغني الفقراء والمساكين، فيجعل الأغنياء فقراء ويجعل الفقراء أغنياء في الغد.

وأما المؤمن، فإنه يعتقد أن الله عزّ وجلّ ينظر كل لحظة إليه ويراقب جميع أقواله وأفعاله وأن الله جلّ وعلا يحاسبه يوم القيامة على جميع أعماله، صغيرة كانت أو كبيرة.

ففي هذه الآيات الكريمة، ينبّهنا الله عزّ وجلّ ويحذرنا من الكفر بالآخرة ومن دفع اليتيم ومن الامتناع عن إطعام الفقراء والمساكين، فعلينا أن نرغب في العطف على الأيتام والعاجزين والفقراء والمساكين ونمسح دموعهم.

فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ ‎﴿٤﴾‏ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُوْنَ ‎﴿٥﴾‏ الَّذِيْنَ هُمْ يُرَاءُوْنَ ‎﴿٦﴾‏ وَيَمْنَعُوْنَ الْمَاعُوْنَ ‎﴿٧﴾‏

سَاهُوْنَ – أي: غافلون

الْمَاعُوْنَ – أي: المنافع اليسيرة

في هذه الآيات، يذم الله عزّ وجلّ الغافلين عن صلاتهم والبخلاء بأموالهم، الذين يصلّون أمام الناس غير مخلصين، ويراءون أنهم مسلمون صالحون، وإذا لم يكونوا بمحضر من الناس، فهم إمّا لا يصلّون، أو يصلّون بعد وقت الصلاة، أو لا يصلّون كما ينبغي لهم أن يصلّوا، أي: أداءها مع تعديل الأركان وأداءها في الوقت الصحيح، ومع الجماعة وغيرها، لأنهم لا يحبّون أداء الصلاة ولا يبالون بها، وهم بخلاء – لا يعطون شيئا حتى الأشياء التافهة التي يحتاج إليها الناس.

والمراد من “الماعون” الأشياء اليسيرة الرخيصة كالقدور والملح والسكر. فإذا كان إنسان بحاجة إلى مثل هذه الأشياء، فمن كان عنده هذه الأشياء، فليعره وليعنه.

ويمكن أن يراد ب “الماعون” الزكاة. فالمعنى أنهم لا يؤدّون الزكاة الواجبة عليهم، وهذا التفسير مروي عن سيدنا علي رضي الله عنه، ومن المعلوم أن الزكاة مبلغ صغير بالنسبة للمبلغ الكامل.

والحاصل أن هذه الآيات تبيّن ماذا يحبّ الله عزّ وجلّ أن يرى عبده فيه، فيجب على كل عبد أن يهتمّ دائما بتقوية علاقته بربه وبامتثال أوامر الشرع من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وغيرهما.

كما أنه ينبغي له أن يهتم بأداء حقوق الخلق والشفقة على أقاربه وجيرانه وأصدقائه والأيتام والفقراء والمساكين.

فعن سيدنا أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: بينما نحن في سفر مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل على راحلة له، قال: فجعل يصرف بصره يمينا وشمالا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان معه فضل ظهر، فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان له فضل من زاد، فليعد به على من لا زاد له، قال: فذكر من أصناف المال ما ذكر حتى رأينا أنه لا حق لأحد منا في فضل (صحيح مسلم، الرقم: ١٧٢٨)

يدل هذا الحديث على أن المؤمن لا ينبغي أن يهتم بنفسه فقط مغرورا بها، ولا يفكّر إلا في رقيّه المادي وفي عائلته فحسب، بل ينبغي له أن يهتمّ بعامة المسلمين أيضا ويبحث عن الفرص لإعانتهم ومساعدتهم، ويكون مستعدّا دائما لإعانة من حوله من الأقارب والجيران والأصدقاء والفقراء والمساكين.

شاهد أيضاً

تفسير سورة النصر

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيْمِ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللّٰهِ وَالْفَتْحُ ‎﴿١﴾‏ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا …