بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ
لِإِيلٰفِ قُرَيْشٍ ﴿١﴾
لِإِيلٰفِ قُرَيْشٍ – أي: من أجل تسهيل الله على قريش وتيسيره لهم ما كانوا يألفونه من الرحلة في الشتاء والصيف
قبل الإسلام، كانت السرقة والقتل والحروب الداخلية شائعة بين القبائل في الجزيرة العربية. فعندما كان الناس يسافرون من مكان إلى مكان، يخافون دائما أن يغير عليهم أعداؤهم أو يهجم عليهم اللصوص وينهبوا أموالهم.
وأما قبيلة قريش، فكان جميع القبائل المقيمة في الجزيرة العربية يجلّهم ويعظّمهم لأجل رتبتهم العالية وكونهم سدنة الكعبة الشريفة. وذلك لأن الناس كانوا يحترمون الكعبة المشرفة وخدامها ويعتبرونهم أهل الله. فكانوا لا يتعرّضون لقوافل قريش التجارية بسوء ويسمحون لهم أن يمرّوا بحرية وأمان، فكانوا يقومون برحلتين: رحلة في الشتاء إلى اليمن ورحلة في الصيف إلى الشام آمنين سالمين ويعودون بكل أنواع المنتجات والأغذية وغيرها مما يحتاج إليه أهل مكة المكرّمة، وكانت القوافل الأخرى تتعرض للسرقة والنهب وقطع الطريق.
والحاصل أن قريشا كانت آمنة مطمئنة ومتقدّمة اقتصاديا ببركة سدانة الكعبة المكرّمة.
لِإِيلٰفِ قُرَيْشٍ (١) إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (٢)
ففي هذه السورة، ذكّر الله تعالى قريشا بنعمتين خصّهم الله تعالى بهما، نعمة الأمان ونعمة الرخاء، ثم أمرهم أن يطيعوه وألّا يعبدوا غيره. وهذا أيضا يدلّ على ما فضّلهم الله به على غيرهم من الشرف والتعظيم.
وروي عن سيدنا واثلة بن الأسقع رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشا من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم (صحيح مسلم، الرقم: ٢٢٧٦)
إن الذي فضّل القريش على غيرهم وزادهم شرفا وتعظيما هو الله عزّ وجلّ، فلا ينبغي لأحد أن يعترض على ما أعطاهم الله من الشرف، فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، أمّا السبب الظاهر لشرفهم وعزّهم، فهو كونهم متحلّين بصفات عالية ومكارم حميدة مثل الأمانة والشكر والتقدير ومراعاة الناس والاهتمام بهم ومساعدة الضعفاء والمظلومين وغيرها من الأخلاق النبيلة والقيم الحميدة التي اشتهرت بها قريش. فلأجل مزاياهم هذه، اختارهم الله تعالى واصطفاهم لسدانة بيته العتيق.
فَلْيَعْبُدُوْا رَبَّ هٰذَا الْبَيْتِ ﴿٣﴾ الَّذِىٓ أَطْعَمَهُم مِّن جُوْعٍ وَاٰمَنَهُمْ مِّنْ خَوْفِ ﴿٤﴾
في هذه السورة ، يدلّ الله عزّ وجلّ أمة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على طريق الحصول على فضله الخاص، وهو أن يطيعوه ويشكروه تعالى على نعمه. فمن أطاع الله عزّ وجلّ وشكره، رزقه نعمتين عظيمتين.
النعمة الأولى أن الله عزّ وجلّ يرزقه رزقا حلالا طيّبا ويبارك في ماله ويحميه من الجوع.
والنعمة الثانية أن الله عزّ وجلّ يؤتيه الأمن ويحفظ نفسه وماله من كلّ سوء.
وفي آية أخرى من القرآن الكريم، قد ضرب الله عزّ وجلّ مثلا لقرية أنعم على أهلها بكل أنواع النعم، قال الله عزّ وجلّ: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّٰهِ فَأَذَاقَهَا اللَّـهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ
أي: كان أهل القرية يعيشون آمنين مطمئنين ومتقلبين في أحضان السعادة وأعطاف النعيم، وكان يجبى إليهم الخيرات والأرزاق من كل جهة، لكنهم لما عصوا الله عزّ وجلّ وكفروا بالنعمة، حرمهم الأمن والرخاء وسلّط عليهم الخوف البالغ والفقر الشديد.
والمراد من “لباس الجوع والخوف” المذكور في الآية أن الجوع والخوف كانا شديدين للغاية، فكأنهما صارا لباسا غشيهم من رؤوسهم إلى أقدامهم.
فترشدنا هذه الآية إلى أن طريق الاحتفاظ بنعم الله عزّ وجلّ وتجنّب حرمانها هو إطاعة الله عزّ وجلّ وشكره على نعمه دائما.
ونقل العلامة الجزري رحمه الله فى الحصن الحصين عن أبى الحسن القزويني رحمه الله أنه قال: إن خاف (شخص) من عدو أو غيره فقراءة “لايلاف قريش” أمان عن كل سوء
وقال القاضي محمد ثناء الله رحمه الله في التفسير المظهري ١0/٣٤٨: وقد أمرني شيخى وإمامى – قدّس الله سره السامي – بقراءته فى المخاوف لدفع كل سوء وبلاء … قلت: وقد جربته كثيرا والله تعالى أعلم.