تربية الأولاد: كون الوالدين قدوة حسنة لهم
كان سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أعظم خلق الله عزّ وجلّ وأكملهم. اختاره الله عزّ وجلّ أن يكون آخر الرسل وأنعم عليه بأعظم الأديان وأشملها: دين الإسلام الذي هو الدستور الكامل للإنسان. كما شرّفه صلى الله عليه وسلم بكامل الخلق والكرم ليكون فيه أسوة حسنة لسائر الناس.
فكان صلّى الله عليه وسلّم في كل شعبة من شعب حياته على ذروة الحسن والكمال، وكانت له أفضل الأخلاق وأحسن العادات بكلّ معنى الكلمة، سواء كان مع أزواجه، أو مع أولاده، أو الإمامَ في المسجد، أو قائد المسلمين.
فمن أراد من الآباء أن يربّوا أولادهم تربية حسنة، فلا بدّ لهم أن يتأسّوا بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في خلقه، ويتبعوا سنته المباركة في حياتهم. لأن مجرّد التعليم والنصح لا يؤثّر فيهم إذا خالفت أفعالُ الآباء أقوالَهم. وإذا درسنا حياة الصحابة الكرام رضي الله عنهم وتربيتهم لأولادهم، نجد أنهم عملوا بما أمروا به ووافقت أفعالُهم أقوالَهم. وبذلك صاروا أسوة حسنة لأبنائهم.
فإذا ابتغينا أن نكون قدوة لأولادنا، فعلينا أن ننظر في حياته صلّى الله عليه وسلّم ونتعلّم منهج تربيته وتعليمه ونتأسى بأسوته في تعليم أولاده وتربيتهم.
وقد كان سيدنا أنس رضي الله عنه خادما لسيّدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، لم يزل يخدمه صلى الله عليه وسلّم عشر سنين، إلى أن وافته صلى الله عليه وسلّم المنيةُ، وكيف كان تعامل سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم معه خلال هذه السنوات؟ يقول سيدنا أنس رضي الله عنه: فَخَدَمْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ، فَمَا ضَرَبَنِي ضَرْبَةً، وَلَا سَبَّنِي سَبَّةً، وَلَا انْتَهَرَنِي، وَلَا عَبَسَ فِي وَجْهِي.
ومن الوصايا الذهبية التي أوصاه بها سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
الوصية بأداء حقوق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم
يَا بُنَيَّ، اكْتُمْ سِرِّي تَكُنْ مُؤْمِنًا، قال سيدنا أنس رضي الله عنه: فَكَانَتْ أُمِّي وَأَزْوَاجُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلْنَنِي عَنْ سِرِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لم يكنْ يعلمن أنه سر) فَلَا أُخْبِرُهُنَّ بِهِ، وَلَا أُخْبِرُ بِسِرِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدًا أَبَدًا
وَيَا بُنَيَّ، إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا تَزَالَ تُصَلِّي (على الرسول صلى الله عليه وسلم)، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تُصَلِّي عَلَيْكَ (أي: تستغفر لك) مَا دُمْتَ تُصَلِّي
الوصية بالنظافة الظاهرة
يَا بُنَيَّ، عَلَيْكَ بِإِسْبَاغِ الْوُضُوءِ يُحِبُّكَ حَافِظَاكَ، وَيُزَادُ فِي عُمُرِكَ، وَيَا أَنَسُ، بَالِغْ فِي الِاغْسَالِ مِنَ الْجَنَابَةِ ; فَإِنَّكَ تَخْرُجُ مِنْ مُغْتَسَلِكَ وَلَيْسَ عَلَيْكَ ذَنْبٌ وَلَا خَطِيئَةٌ “. قَالَ: قُلْتُ: كَيْفَ الْمُبَالَغَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: ” تَبُلُّ أُصُولَ الشَّعْرِ وَتُنَقِّي الْبَشَرَةَ. وَيَا بُنَيَّ، إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا تَزَالَ عَلَى وُضُوءٍ، فَإِنَّهُ مَنْ يَأْتِيهِ الْمَوْتُ وَهُوَ عَلَى وُضُوءٍ يُعْطَى الشَّهَادَةَ.
الوصية بأداء حقوق الله عزّ وجلّ بأداء الصلاة
وَيَا أَنَسُ، إِذَا رَكَعْتَ فَأَمْكِنْ كَفَّيْكَ مِنْ رُكْبَتَيْكَ، وَفَرِّجْ بَيْنَ أَصَابِعِكَ، وَارْفَعْ مِرْفَقَيْكَ عَنْ جَنْبَيْكَ. وَيَا بُنَيَّ، إِذَا رَفَعْتَ رَأْسَكَ مِنَ الرُّكُوعِ فَأَمْكِنْ كُلَّ عُضْوٍ مِنْكَ مَوْضِعَهُ ; فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى مَنْ لَا يُقِيمُ صُلْبَهُ بَيْنَ رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ. يَا بُنَيَّ إِذَا سَجَدْتَ فَأَمْكِنْ جَبْهَتَكَ وَكَفَّيْكَ مِنَ الْأَرْضِ، وَلَا تَنْقُرْ نَقْرَ الدِّيكِ، وَلَا تُقْعِ إِقْعَاءَ الْكَلْبِ – أَوْ قَالَ: الثَّعْلَبِ – وَإِيَّاكَ وَالِالْتِفَاتَ فِي الصَّلَاةِ ; فَإِنَّ الِالْتِفَاتَ فِي الصَّلَاةِ هَلَكَةٌ، فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ فَفِي النَّافِلَةِ لَا فِي الْفَرِيضَةِ.
الوصية بحسن التعامل مع الآخرين وحسن الظنّ بكل مسلم
وَيَا بُنَيَّ، إِذَا خَرَجْتَ مِنْ بَيْتِكَ فَلَا تَقَعَنَّ عَيْنُكَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ إِلَّا سَلَّمْتَ عَلَيْهِ ; فَإِنَّكَ تَرْجِعُ مَغْفُورًا لَكَ. وَيَا بُنَيَّ، إِذَا دَخَلْتَ مَنْزِلَكَ فَسَلِّمْ عَلَى نَفْسِكَ وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِكَ.
يَا بُنَيَّ، إِذَا خَرَجْتَ مِنْ بَيْتِكَ فَلَا يَقَعَنَّ بَصَرُكَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ إِلَّا ظَنَنْتَ أَنَّهُ لَهُ الْفَضْلُ عَلَيْكَ
الوصية بتربية الأولاد
عن سيدنا أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الغلام يعق عنه يوم السابع ويسمى ويماط عنه الأذى، فإذا بلغ ست سنين أدب فإذا بلغ عشر أعزل فراشه، فإذا بلغ ثلاث عشرة سنة ضرب على الصلاة والصوم، فإذا بلغ ست عشرة سنة زوجه أبوه أخذ بيده وقال قد أدبتك وعلمتك وأنكحتك أعوذ بالله من فتنتك في الدنيا وعذابك في الآخرة (إتحاف السادة المتقين ٦/٣١٦)
الوصية باتّباع كل سنّة وطريق لدخول الجنّة
يَا بُنَيَّ، إِنْ قَدَرْتَ أَنْ تُصْبِحَ وَتُمْسِيَ لَيْسَ فِي قَلْبِكَ غِشٌّ لِأَحَدٍ فَافْعَلْ» ثُمَّ قَالَ لِي: يَا بُنَيَّ وَذَلِكَ مِنْ سُنَّتِي، وَمَنْ أَحْيَا سُنَّتِي فَقَدْ أَحَبَّنِي، وَمَنْ أَحَبَّنِي كَانَ مَعِي فِي الجَنَّةِ (سنن الترمذي، الرقم: ٢٦٧٨، وقال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه)
يَا بُنَيَّ، إِنِ اتَّبَعْتَ وَصِيَّتِي فَلَا تَكُنْ فِي شَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنَ الْمَوْتِ (مجمع الزوائد، الرقم: ١٤٧٠)
ترشدنا هذه الوصايا إلى منهج التعليم والتربية وتلفت أنظارنا إلى أهميّة العطف والشفقة على الأولاد في التعليم والتربية.
ولا شك أن الولد إذا عُلِّمَ بحبّ وشفقة، ازداد شوقا ورغبة في امتثال أحكام الدين ولم يغفل عنها مدى حياته.