الرئيسية / روضة الحب / روضة الحبّ – ٢٩

روضة الحبّ – ٢٩

تربية الأولاد: أهمية الصحبة الصالحة

مما يلزم على الوالدين في تربية أولادهم أن يتأكّدوا من أن يصاحب أولادُهم الصالحين وأن يكونوا في بيئة صالحة. فإن الصحبة الصالحة والبيئة الحسنة تؤثّران في قلوبهم أثرا عميقا في أفكارهم وآرائهم عن الحياة، فينشؤون على فكر صحيح ورأي سديد عن الإسلام ويصطبغون بصبغة الإسلام كلّ الاصطباغ.

ورد في الحديث الشريف أن كل مولود يولد على الفطرة. وهذه الفطرة تمكّنه من رؤية الحق وهو ينشأ، لكنه يميل إلى الباطل ويأخذ بدين آبائه لكونه في البيئة الفاسدة في بيت يهودي أو نصراني أو مجوسي.

فعن سيدنا أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مثل الجليس الصالح والسوء، كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك: إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير: إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد ريحا خبيثة (صحيح البخاري، الرقم: ٥٥٣٤)

فقد بيّن صلى الله عليه وسلّم في هذا الحديث الشريف أن الصحبة الصالحة لا تخلو عن فائدة، وأن الصحبة الفاسدة لا تخلو عن ضرر.

وحينما ندرس حياة الصحابة الكرام رضي الله عنهم، نجد أنهم أدركوا آثار الصحبة العميقة، فقد حكيت قصص عديدة تشهد على اهتمامهم البالغ بمصاحبة أبنائهم الأخيارَ. ونذكر فيما يلي قصتين تعكسان مدى عنايتهم بذلك.

عناية السيدة أم سليم رضي الله عنها بولدها

عندما وصل سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة مهاجرا، لم يكد يستقرّ بها حتى أحضرت سيدتنا أم سليم رضي الله عنها ولدها الصغير – سيدنا أنسا رضي الله عنه – إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وطلبت منه صلى الله عليه وسلم أن يقبل ابنها – وهو في الثامن من عمره – لخدمته قائلة: يا رسول الله، إنه لم يبق رجل ولا امرأة من الأنصار إلا قد أتحفتك بتحفة، وإني لا أقدر على ما أتحفك به إلا ابني هذا ; فخذه، فليخدمك ما بدا لك، فقبله صلى الله عليه وسلم وعاش سيدنا أنس رضي الله عنه في خدمته إلى أن توفي صلى الله عليه وسلم. فكانت مدة خدمته له عشر سنوات.

أدركت والدة سيدنا أنس رضي الله عنه – السيدة أم سليم رضي الله عنها – أهمية الصحبة الصالحة. ولم تكن صحبة مثل صحبة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرادت أن يفوز ولدها بصحبته صلى الله عليه وسلّم المباركة.

اهتمام سيدنا عباس رضي الله عنه بولده

رغب سيدنا عباس رضي الله عنه – عمّ سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم – أن يسعد نجله عبد الله ببركة مصاحبة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم. فأمر نجله عبد الله  – وكان ابن اثني عشر أو ثلاثة عشر– أن يبيت الليلة عند خالته أم المؤمنين السيدة ميمونة رضي الله عنها، ليشاهد كيفية صلاته صلى الله عليه وسلم في الليل – صلاة التهجد – وينتفع بصحبته المباركة. فبات الليلة عند سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم وشاهد كيفية صلاته صلى الله عليه وسلم في الليل ثم بلّغها الأمةَ.

وإذا ذكرت “المصاحبة” فالذي يخطر بالبال غالبا هو مصاحبة الأصدقاء. مع أن المصاحبة لا تقتصر على ذلك، بل كلّ شيء يؤثّر في تفكير الإنسان وعاداته فهو صحبة له.

فالكتب التي يقرأها الإنسان، والمواقع التي يتصفّح، وحسابات مواقع التواصل الاجتماعي التي يتابع، كلها صحبة توثّر في أفكاره وأهدافه في حياته. فلا بدّ للوالدين أن يلاحظوا ما يخوض فيه أولادهم وما يقعون فيه، كما يلزم عليهم أن يلاحظوا من يصاحبونهم ويجالسونهم.

شاهد أيضاً

مقارنة الإسلام بالأديان السابقة – روضة الحبّ – ٥٩

عندما نقارن الإسلام بالأديان السابقة، نجد أن الإسلام لم يحرّم المنكرات والسيئات فحسب، بل حرّم …