أهمية تربية الأولاد في الإسلام
تربية الأولاد في الإسلام مهمّة للغاية، وهي مثل أساس البناء. فإن كان أساس البناء قويّا ومتينا، كان البناء قويّا منيعا لايهزّه ما يمرّ به من العواصف والقواصف. وإن كان الأساس ضعيفا، فيسقط المبنى بأدنى هزة أرضية. وكذلك تربية الولد أساس يبتني عليه سائر حياته. فلا بدّ من تربية إسلامية له حتى يفوز بالرقي والتقدم طوال حياته. ولو لم يعن المرء بالتربية الإسلامية الصحيحة لولده، ولم يزرع فيه القيم الإسلامية، أثّر ذلك الإهمال عليه طول حياته. فيواجه مشكلات في حياته الفردية والاجتماعية، ويعاني من صعوبات في التعامل مع الآخرين من الأقارب والجيران وغيرهم. ولا يدري كيف يعظّم شعائر الدين وكيف يحترم الآخرين. والحاصل أنه لا يترقّى في دينه ولا يصلح عمله بسبب حرمانه من التربية الإسلامية.
ولا يغيبن عن بالنا أن تربية الأولاد من حقوقهم على والديهم، فقد روي أن الصحابة رضي الله عنهم سالوا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقالوا: يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ عَلِمْنَا حَقَّ الْوَالِدِ عَلَى الْوَلَدِ، فَمَا حَقُّ الْوَلَدِ عَلَى الْوَالِدِ؟ قَالَ: أَنْ يُحْسِنَ اسْمَهُ، وَيُحْسِنَ أَدَبَهُ (شعب الإيمان، الرقم: ٨٢٩١)
ونصح سيدنا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما رجلا فقال: أدّب ابنك، فإنك مسئول عن ولدك، ماذا أدّبته؟ وماذا علّمته، وإنه مسئول عن برك وطواعيته لك (شعب الإيمان، الرقم: ٨٢٩٥)
والأمر الأوّل في تربية الولد هو بيان وحدانية الله عزّ وجلّ أمامه وترسيخها في قلبه. ولذلك أمر الإسلام بالتأذين في أذنه اليمنى والإقامة في أذنه اليسرى حين يولد ليترسّخ في قلبه الإيمان بالله عزّ وجلّ.
وأمر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم الأمة أن يعلّموا أولادهم التسمية عند الأكل، ليعلموا أن الطعام الذي يأكلونه هو نعمة الله عزّ وجل. فعن سيدنا عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه أنه قال: كُنْتُ غُلاَمًا فِي حَجْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا غُلاَمُ، سَمِّ اللَّهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ، فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتِي بَعْدُ (صحيح البخاري، الرقم: ٥٣٧٦)
فعلّمه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم ثلاث سنن، مؤكدا أن يهتم بأداء حقوق الله عزّ وجلّ حتى عند الأكل. كانت تربيته بمودّة وشفقة رسخت بسببها السنن الثلاث في قلبه حتى قال: فما زالت تلك طعمتي بعد.
ومما أمرنا به سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم في تربية الأولاد تعليمهم أهمية أداء حقوق الله عزّ وجلّ، ومن أهمها الصلاة. فقد قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: مُرُوا صِبْيَانَكُمْ بِالصَّلَاةِ إِذَا بَلَغُوا سَبْعًا، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا إِذَا بَلَغُوا عَشْرًا (مسند أحمد، الرقم: ٦٦٨٩)
هذا إلى أنه ينبغي أن تغرس عظمة الله عزّ وجلّ وقدرته في قلب الولد منذ نعومة أظفاره، لينشأ على عقيدة أن الخير كله من الله عزّ وجلّ، لا من أحد سواه، وأنه لا حول ولا قوة إلا بالله عزّ وجلّ.
فعن سيدنا ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا، فَقَالَ: يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ، احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ (سنن الترمذي، الرقم: ٢٥١٦، وقال: هذا حديث حسن صحيح)
يظهر من هذه القصة كيف غرس سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم عظمة الله عزّ وجلّ في قلب الولد وكيف ربطه به جلّ وعلا.
(يُتبع بإذن الله عزّ وجلّ)