بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيْمِ
وَٱلْعٰدِيٰتِ ضَبْحًا ﴿١﴾ فَالْمُوْرِيٰتِ قَدْحًا ﴿٢﴾ فَالْمُغِيْرٰتِ صُبْحًا ﴿٣﴾ فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا ﴿٤﴾ فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا ﴿٥﴾
وَٱلْعٰدِيٰتِ – الخيل تعدو في الغزو
ضَبْحًا – صوت أنفاسها
فَالْمُوْرِيٰتِ قَدْحًا – الخيل التي تخرج شرر النار من الأرض بوقع حوافرها على الحجارة من شدّة الجري
فَالْمُغِيْرٰتِ صُبْحًا – الخيل التي تغير على العدو وقت الصباح
فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا – فأثارت الخيل الغبار الكثيف لشدّة العَدو
فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا – فأصبحن وسط المعركة
هذه السورة دعت الإنسان إلى التفكّر في الخيل وطبيعته وطاعته ووفائه لمالكه حتى يتعلّم منها ما يجب عليه من الطاعة والوفاء لربه عزّ وجلّ . فالخيل تخضع لأمر مالكها، ولا تألو جهدا في امتثال أمر صاحبها، حتى أنها تغامر بحياتها في الحرب الضروس وفاء له، وتستجيب له إذا دعاها في أي وقت من الليل والنهار وتكافح الأعداء ولا يمنعها سلاحهم.
وهكذا تشكر الخيل لمالكها وتطيع صاحبها، وإن كانت منّته عليها صغيرة. فإنه لا يمنّ عليها إلا بالعلف والسقي ورعاية قليلة. على الرغم من ذلك، تبقى وفيّة شاكرة له حتى تستعد أن تفدي بنفسها له.
فالرسالة المقصودة من هذه الآيات أن يتفكّر الإنسان في نفسه هل يشكر الله عزّ وجلّ. هل يشكر الله عزّ وجلّ مثل هذا الحيوان الغير العاقل؟ إذا كان الحيوان الغير العاقل يشكر مالكه هذا الشكر، فما هو المفروض من الشكر على الإنسان العاقل الذي أسبغ عليه ربّه نعمة العقل والفهم وغير ذلك من النعم التي لا تعد ولا تحصى؟
إِنَّ الْإِنْسٰنَ لِرَبِّهِ لَكَنُوْدٌ ﴿٦﴾ وَإِنَّهُۥ عَلٰى ذٰلِكَ لَشَهِيْدٌ ﴿٧﴾
كنود: جاحد لنعم الله
في الآيات السابقة، أقسم الله عزّ وجلّ بالخيل المستخدمة في الحرب إشارة إلى أنه عزّ وجلّ سخّر هذا الحيوان القويّ للإنسان، وجعله تابعا لأمره وذلك يقتضي أن يطيع الإنسان ربّه ويشكره كما يطيع الفرس سيّده ويمتثل لأمره، لكنّ الإنسان يجحد نعم الله عزّ وجلّ ويكفرها.
إِنَّ الْإِنْسٰنَ لِرَبِّهِ لَكَنُوْدٌ – يشكو الله عزّ وجلّ بهذه الآية الإنسان وجحوده. أمّا كلمة “الكنود”: فهي تستعمل لشخص يذكر المصائب وينسى النعم ومن أنعمها عليه.ومن طبائع الإنسان أنه يستمتع بنعم الله عزّ وجلّ ليلا ونهارا ويستلذّ بها، لكنه ينسى ربّه الذي أفاضها عليه ويغفل عن ذكره وطاعته، مع أن النعم التي يستمتع بها ليست إلا من فضل ربّه ومنّه لا من عقله وذكائه.
وَإِنَّهُۥ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ ﴿٨﴾
في هذه الآية الكريمة، يذمّ الله عزّ وجلّ الحب الشديد للمال. أما نفس الحب للمال، فليس بحرام. ولكن الحب الشديد له حرام، لأنه يؤدّي الإنسان إلى إهمال حقوق الله عزّ وجلّ وحقوق عباده، كما أنه يدفعه أحيانا إلى عدم التمييز بين الحلال والحرام، ولذلك يشاهد أن الإنسان – بسبب الحبّ الشديد للمال – لا يبالي باحكام الدين ولا يهتمّ بما يرضي ربه عزّ وجلّ.
ولا شكّ في أن الحب الشديد للمال رأس أغلب المشاكل والخطايا، كما جاء في الحديث الشريف: حب الدنيا راس كل خطيئة. ومعالجته أن يتفكر الإنسان الوقوف بين يدي الله عزّ وجلّ يوم القيامة والحساب في الآخرة.
أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِى ٱلْقُبُورِ﴿٩﴾وَحُصِّلَ مَا فِى الصُّدُورِ﴿١٠﴾ إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرُ﴿١١﴾
بعثر – أثير وأخرج
حصّل – أبرز
في هذه الآية الكريمة، يوجّهنا الله عزّ وجلّ إلى يوم القيامة. يومئذ لا تخفى من أحد خافية. ويُخْرَجُ ما في القبور، ويبرز ما تكتمه القلوب من السرائر. فمن فعل معروفا مرائيا، تكشف نيته أمام جميع الخلق.