بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيْمِ
وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ ﴿١﴾
هُمَزَةٍ – الذي يغتاب الناس
لُمَزَةٍ – الذي يطعن في أعراض الناس على وجوههم
تحذّر هذه السورة الناس من العاقبة الوخيمة – العذاب الشديد – لثلاثة ذنوب كبيرة ثم تصف ذلك العذاب الشديد. والذنوب الثلاثة هي الغيبة والاستهزاء وجمع الأموال بخلا.
كان كثير من مشركي مكة يغتابون سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ويطعنون في عرضه وينالون منه نيلا. فقد ذمّ الله عزّ وجلّ من كان يرتكب هذه الذنوب، كما حذّر للمسلمين ألا يقعوا فيها فيما بينهم.
ذكر الله عزّ وجلّ أوّلا الهمزة واللمزة:
قال أكثر المفسّرين: إن المراد من “الهمزة” – المأخوذة من الهمز – الذي يغتاب الناس، أي يطعن في شخص غائب، والمراد من “اللمزة” – المأخوذة من اللمز – من يطعن في شخص على وجهه.
إن هذين الذنبين خطيران مهلكان ومؤدّيان إلى النار. وقد ورد فيهما وعيد شديد في الكتاب والسنة.
وليعلم أن الغيبة – من ناحية – أسوء من الاستهزاء، لأن الذي طُعِنَ فيه وهو غائب لا يستطيع أن يدافع عن نفسه ويمنع المغتاب عن الوقوع فيه، فهذا الذنب يرتكبه كثير من الناس ولا يزالون يقعون فيه
وأما الطعن في شخص على وجهه، فهو ذنب أيضا وإن كان أقل درجة من الغيبة، لأن الذي طعن فيه يستطيع أن يدافع عن نفسه وأن يمنع من ينال من عرضه عن ذلك.
ولكن لو نُظِرَ في هذا الذنب (الطعن في شخص على وجهه) من ناحية أخرى، فإنه إهانة له وإيذاء لقلبه (بخلاف الغيبة إذا لم يَعلم عنه الشخص)، فعقابه أعظم.
فإذا ذكرنا في مجالسنا مشاكل الناس وما يواجهون من صعوبات، نظن أننا نفعل خيرا وأننا نساعدهم. ولكننا في الواقع نقع أحيانا خلال حديثنا في الغيبة، فنرتكب الذنب ولا نشعر به.
فالنمّام يقطع بين الناس وإن لم يخطر ذلك بباله. والنميمة تُحْدِثُ البغض والعداوة في قلوب المحبِّين وتفرّق بينهم.
فقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وإن شرار عباد الله من هذه الأمة المشاءون بالنميمة المفرقون بين الأحبة الباغون للبرآء العنت (الجامع الكبير، الرقم: ٧٣٤٣)
كثير من الناس يذكرون الأبرياء والصالحين بقصد النيل من أعراضهم والطعن فيهم، فهم يُظْهِرُوْنَ أنهم ناصحون، لا يريدون إلا خيرا لهم، حتى يظن الناس أنهم صالحون ومخلصون. فهم يغتابونهم مظهرين أنفسهم ناصحين، وفي الحقيقة يؤذونهم ويفرّقون بينهم.
الَّذِى جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُۥ ﴿٢﴾
قد ذكر الله عزّ وجلّ في هذه الآية الذنب الثالث الذي يقع فيه كثير من الناس، وهو جمع المال بخلا وإحصاؤه، فالحبّ الجمّ للمال والحرص الشديد على جمعه يمنعه من أن ينفقه في وجوه الخير التي أمر الله عزّ وجلّ بالإنفاق فيها ولا يؤدي حق الله عزّ وجلّ ولا حق الفقراء والمساكين، فالذي يجمع المال ويواصل عدّه إنما يهمه دائما أن يزيد ماله.
فالوعيد المذكور في الآية لمثل هذا الصنف من الأغنياء لا للأغنياء الذين يؤدون حقوق الله عزّ وجلّ وحقوق الفقراء والمساكين.
يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ اَخْلَدَهُ ﴿٣﴾ كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِى الْحُطَمَةِ ﴿٤﴾ وَمَآ اَدْرٰىكَ مَا الْحُطَمَةُ ﴿٥﴾ نَارُ اللّٰهِ ٱلْمُوقَدَةُ ﴿٦﴾ الَّتِى تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْـِٔدَةِ ﴿٧﴾
اَخْلَدَهُ – أي: سيتركه مخلداً في الدنيا لا يموت
لَيُنْبَذَنَّ – أي: ليُطرحنَّ
الْحُطَمَةِ – أي: النار التي تحطم كل ما يُلقى فيها وتلتهمه
ٱلْمُوقَدَةُ – أي: الْمُسَعَّرَة
تَطَّلِعُ – أي: التي يبلغ ألمها ووجعها إلى القلوب فتحرقها
عادة، إذا أحرقت النار الإنسان، فيحس بالألم في ظاهر جسده أوّلا ثم في أعضائه الرئيسة الباطنة والفؤاد، لكن نار جهنم شديدة للغاية تصل إلى القلب على الفور وتحرقه. والقلب مركز جميع الحواس، فإذا أحرقته النار، فكيف تكون شدة الألم والوجع؟! لا يمكن تصورها.
اِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ ﴿٨﴾ فِى عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ ﴿٩﴾
مُّؤْصَدَةٌ – أي: إِن جهنم مطبقة مغلقةٌ عليهم
في هذه الآيتين، يبيّن الله عزّ وجلّ أن النار تطبق عليهم بعمد تمدّد عليهم بحيث لا يستطيعون الخروج والهروب منها.