عندما نقارن الإسلام بالأديان السابقة، نجد أن الإسلام لم يحرّم المنكرات والسيئات فحسب، بل حرّم الطرق الموصلة إلى الذنوب والسيئات سدّا للذرائع وحفظا للمرء من الوقوع في الذنب.
وهاكم على سبيل المثال أمر الحجاب. فقد نهى الله عزّ وجلّ عن الاختلاط بين الرجال والنساء ، وذلك لأن الاختلاط – سواء كان بالنظر أو المحادثة أو التعامل – نقطة الانطلاق إلى الوقوع في الزنا.
بذرة الذنب تغرس بالنظرة
كان ذو النون المصري من زهّاد زمنه، أعطاه الله الحكمة والعلم من عنده.
سئل رحمه الله مرّة: ما سبب الذنب؟
قال: سبب الذنب النظرة، ومن النظرة الخطرة، فإن تداركت الخطرة بالرجوع إلى الله ذهبت،
وإن لم تذكّرها (ولم تدارك الخطرة بالرجوع إلى الله) امتزجت بالوساوس فتتولّد منها الشهوة وكل ذلك بعدُ باطن لم يظهر على الجوارح،
فإن تذكرت الشهوة (بالتوبة والرجوع إلى الله)، وإلا تولّد منها الطلب، فإن تداركت الطلب وإلا تولّد منه العقل (أي: يغلب على العقل فترتكب الذنب) (حلية الأولياء ٩/٣٤٥)
قصة المؤذن الذي ضيّع إيمانه بسبب عدم غضّ بصره
حكي أنه كان ببغداد رجل يقال له صالح المؤذن، أذّن أربعين سنة وكان يعرف بالصلاح.
صعد صالح يوما إلى المنارة ليؤذن فرأى بنت رجل نصراني كان بيته إلى جانب المسجد فافتتن بها فجاء فطرق الباب فقالت: من؟ فقال: أنا صالح المؤذن.
ففتحت له، فلما دخل ضمّها إليه، فقالت: أنتم (المسلمون) أصحاب الأمانات فما هذه الخيانة؟!
فقال: إن وافقتِني على ما أريد، وإلا قتلتُك.
فقالت: لا إلا أن تترك دينك، فقال: أنا بريء من الإسلام ومما جاء به محمّد.
ثم دنا إليها فقالت: إنما قلتَ هذه لتقضي غرضك ثم تعود إلى دينك فكُلْ من لحم الخنزير، فأكل، قالت: فاشرب الخمر فشرب فلما دبّ الشراب فيه (وسكر)، دنا إليها فدخلت بيتا (غرفة) وأغلقت الباب وقالت: اصعد إلى السطح حتى إذا جاء أبي زوّجني منك فصعد فسقط فمات فخرجت فلفّته في مسح فجاء أبوها فقصّت عليه القصة فأخرجه في الليل فرماه في السكّة فظهر حديثه فرمي في مزبلة (ذم الهوى لابن الجوزي رحمه الله صـ ٤٥٩)
انظر في هذه القصة! ماذا حدث مع رجل أذّن أربعين سنة! وما هو سبب عاقبته الوخيمة؟ إذا أمعننا النظر في هذه القصة، يبدو لنا أن عدم غضّ البصر أوقعه في الخسران المبين، ولعلّ ذلك كان عادة له، ولأجل ذلك، افتتن بالفتاة وشغف بحبّها حتى ألقى بنفسه في التهلكة التي قرأناها، وأسوأ ما فيها خروجه عن دين الإسلام.