الرئيسية / روضة الحب / الإسلام – الانقياد لله عزّ وجلّ ظاهرا وباطنا – روضة الحبّ – ٥٨

الإسلام – الانقياد لله عزّ وجلّ ظاهرا وباطنا – روضة الحبّ – ٥٨

الإسلام دين شامل كامل أكمله الله عز وجل لأهله، يعلمهم طريقة الحياة من وقت استيقاظهم في الصباح إلى أن يأووا إلى فراشهم في الليل: كيف يقضون حاجتهم، وكيف يتناولون الطعام والشراب، وكيف يعاملون الناس، ويقومون بمعاملات تجارية وغيرها من الأفعال والأنشطة؛ فالإسلام يهدي المسلم في كل لحظة وحركة من حياته وينير الطريق له. وحياته تعكس وفاءه للإسلام وحبّه له.

فالمسلم الحقيقي لا يمتثل أحكام الإسلام في المسجد فقط أو في شهر رمضان فحسب أو بمناسبة الأفراح كالعيدين ويوم الجمعة فقط، بل يتمسّك بالإسلام دائما ويتّخذه منهاجا لحياته ويعضّ على قيمه المنيفة الغراء بنواجذه في كل آن وحين، ظاهرا وباطنا.

أما التمسك بالإسلام ظاهرا، فيكون بتسليم الإنسان وانقياده في ظاهره لأحكام الله عزّ وجلّ من عبادته ولباسه وتعامله مع الناس وغير ذلك. وأما التسليم في الباطن، فالمراد منه أن يمتثل الإنسان أحكام الله عزّ وجلّ مقبلا بقلبه راضيا مطيعا. ولا بدّ لكل مسلم أن يلتزم بكل من التسليمين: الظاهر والباطن، ليقبل إسلامه عند الله عزّ وجل، فقد أكّد سبحانه وتعالى على تسليم المرء في باطنه ورضائه بأحكام الدين –  مع تسليمه في ظاهره – حتى يكون مؤمنا كاملا، كما قال الله عزّ وجلّ: فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (سورة النساء: ٦٥)

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به (شرح السنة، الرقم: ١٠٤)

يقتضي هذان النصان وجوب الامتثال بأحكام الإسلام ظاهرا وباطنا على المرء حتى يكون مسلما كاملا.

فلو تبع أحد أحكام الإسلام ظاهرا، لكنه يحبّ طرق الكفار المخالفة لسنة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي الحقيقة، لم يسلّم نفسه باطنا. وهذا مفض إلى الهلاك ودليل على عدم كمال إيمانه.

وفيما يلي قصة مرعبة لعالم أعجب بطرق الكفار وفضّلها على طريق الإسلام الأغر:

العاقبة الوخيمة للعالم المعجب بطريق النصارى

قد حكى للشيخ أشرف علي التهانوي رحمه الله أحدُ أساتذته: المقرئُ فتح محمد رحمه الله القصة التالية التي سمعها من الشيخ دهّان رحمه الله  – من العلماء البارزين في مكة المكرمة. ذكر الشيخ دهّان رحمه الله أنه توفي عالم من مكة المكرمة، وتم تغسيله وصُلي عليه، ثم دُفن في المقبرة.

بعد عدة أيام، توفي شخص آخر. والقبور في مكة المكرمة تُستخدم أكثر من مرة، ففتح القبر الذي دفن فيه العالم ليدفن فيه الميّت الجديد. لكن، عندما فتح القبر، فوجئ الشيخ دهّان رحمه الله وغيره من الحاضرين بأن جسد العالم لم يكن هناك، بل كانت هناك جثة فتاة أوروبية شابة.

قدّر الله عزّ وجلّ أن يكون من بين الحضور رجل مسلم جاء من فرنسا. وعندما رأى جثة الفتاة، صرخ قائلا: أعرف هذه الفتاة! هي من فرنسا ووالداها نصرانيان! كانت تتعلم اللغة الأردية عندي وقد اعتنقت الإسلام سرًا. كنت قد درّستها بعض الكتب الأساسية عن الإسلام. أصابها مرض مفاجئ وتوفيت، وبعد ذلك غادرت فرنسا وأتيت هنا.”

عندما سمع الناس ذلك، قالوا: لا يخفى علينا سبب انتقال جثة الفتاة الفرنسية إلى مكة المكرمة، وهي أنها اعتنقت الإسلام وحاولت أن تعيش بالتقوى. لكن السؤال: أين جثة العالم الذي دفن في هذا القبر؟

زعم بعض الناس أن جثة العالم قد نُقلت إلى فرنسا ووضعت في قبر الفتاة، فقالوا للمسلم القادم من فرنسا: بعد أداء الحج، اذهب إلى فرنسا وافتح قبر الفتاة حتى تنظر هل فيه جثة العالم. ووصفوا له العالم الذي توفي حتى يتمكن من التعرّف على جثته.

بعد أداء الحج، عاد الرجل إلى فرنسا وفتح قبر الفتاة، فوجد أن الجثة الموجودة في التابوت كانت جثة العالم الذي توفي في مكة المكرمة، لأنها كانت توافق ما وصفه له أهل مكة المكرمة.

عندما وصل الخبر – كون جثة العالم في قبر الفتاة في فرنسا – إلى مكة المكرمة، قال أهل مكة المكرمة: نقل جثة الفتاة إلى مكة المكرمة علامة على قبول الله تعالى لها. أما نقل جثة العالم من مكة المكرمة إلى أرض الكفار فهي علامة على أنه لم يُقبل عند الله تعالى. فما ذنبه الذي سبّب في ذلك؟

فقالوا: أقرب الناس معرفةً للرجل أهل بيته. فلنسأل زوجته. فذهبوا إلى زوجة ذلك العالم وسألوها: هل كان يرتكب زوجك ذنبا معيّنا صار سببا لما رأينا. فأجابت: كان زوجي رجلا طيبًا، لكن كانت له عادة تزعجني، وهو أنه كان يقول بعد القيام بالعلاقة الحميمة: ما أجمل طريقة النصارى، لا يجب عليهم الغسل بعد القيام بالعلاقة الحميمة، ويجب علينا – المسلمين – أن نغتسل بعدها.

فكان يحب طريقة النصارى ولم يكن راضيًا بطريقة الإسلام، مع أنه كان يسكن في مركز الإسلام: مكة المكرمة. وعلى العكس، كانت الفتاة المسلمة تعيش راضية بطريقة الإسلام، رغم أنها كانت في بلاد الكفار تعاني المشاكل والمصاعب التي اضطرتها على إخفاء إسلامها. لذلك، شرّفها الله تعالى بنقل جثتها إلى مكة المكرمة وعاقب العالم بنقل جثته إلى أوروبا.

شاهد أيضاً

الحياء – الخلق المميّز في الإسلام – روضة الحبّ – ٥٦

من أعظم القيم التي يحثّ الإسلام المسلمين عليها الحياء (الحشمة والاحترام). فالحياء هو الوسيلة لاكتساب …