يوم القيامة
سمّي يوم القيامة في القرآن الكريم بأسماء مختلفة، منها: يوم الحساب، ومنها: يوم الجمع، ومنها: يوم التغابن، ومنها: يوم التلاق. وإذا تأمّلنا في هذه الأسماء، وجدنا أن كل واحد منها يرجع إلى حالة تقع يوم القيامة.
ومن أسماء يوم القيامة: يوم الحسرة، يتحسر فيه الكفار كما قال الله عزّ وجلّ: وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ (سورة مريم: ٣٩)، يفهم من هذه الآية أن يوم القيامة يوم حسرة لا يمكن أن يتصوّر عظمها للكافرين.
هذا إلى أنه يتحسّر فيه بعض المؤمنين، فقد قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس يتحسر أهل الجنة إلا على ساعة مرت بهم لم يذكروا الله فيها (المعجم الكبير للطبراني، الرقم: ٧٧٧٧، وقال العلامة الهيثمي رحمه الله في مجمع الزوائد، الرقم: ١٦٧٤٦: رواه الطبراني ورجاله ثقات، وفي شيخ الطبراني محمد بن إبراهيم الصوري خلاف)
عندما يعطي الله عزّ وجلّ عباده الصالحين الأجر الجزيل والثواب العظيم على ساعات قضوها في ذكره وعبادته، يتحسّر المؤمنون الآخرون تحسّرا شديدا على ساعات غالية ضيّعوها سدى ولم يملؤوها بالأعمال الصالحة. يذكر فيما يلي قصة تدلّ على أهمية نعمة الإيمان وخطورة نعمة الحياة العظيمتين:
فعن عبد الله بن وابصة العبسي عن أبيه عن جده قال: جاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في منازلنا بمنى، ونحن نازلون بالجَمْرة الأولى التي تلي مسجد الخَيْف وهو على راحلته مُرْدِفاً خلفه زيد بن حارثة، فدعانا (إلى الإسلام)، فوالله ما استجبنا له ولا خير لنا (لم يقدّر الخير لنا)، وقد كنّا سمعنا به وبدعائه في الموسم، فوقف علينا يدعونا فلم نستجب له.
وكان معنا مَيْسرة بن مسروق العبسي، فقال: أحلف بالله لو صدَّقَنا هذا الرجل وحلمناه حتى نحُل به وسط رحالنا لكان الرأي (لكان نافعا لنا)، فأحلف بالله ليظهرنَّ أمره حتى يبلغ كلَّ مبلغ.
فقال له القوم: دَعْنا عنك، لا تعرِّضنا لما لا قِبَلَ لنا به، فطمع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مَيْسرة فكلَّمه.
فقال مَيْسرة (بعدما سمع كلام سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم): ما أحسن كلامك وأنوره، ولكنَّ قومي يخالفونني، وإنَّ الرجل بقومه فإن لم يعضدوه فالعِدى (الأجانب) أبعد (أن يعضدوه). فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج القوم صادرين (راجعين) إلى أهليهم.
فقال لهم ميسرة: ميلوا بنا إلى فَدَك فإنَّ بها يهودَ نسائلهم عن هذا الرجل. فمالوا إلى يهود فأخرجوا سِفْراً لهم (التوراة) فوضعوه
ثم درسوا ذِكْرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: النبي الأمي العربي، يركب الجمل، ويجتزىء بالكِسْرة (من الخبز) وليس بالطويل ولا بالقصير ولا بالجعد ولا بالسبط، في عينه حُمْرة، مُشَرَّب اللون.
ثم قال اليهود: فإنْ كان هذا هو الذي دعاكم فأجيبوه وادخلوا في دينه، فإِنَّا نحسده فلا نتبعه، ولنا منه في مواطن بلاء عظيم ولا يبقى أحد من العرب إلا اتَّبعه أو قاتله، فكونوا ممّن يتّبعه.
فقال مَيْسرة: يا قوم، إنّ هذا الأمر (كون الرسول صلى الله عليه وسلم نبيا) بيِّنٌ، قال القوم: نرجع إلى الموسم فنلقاه.
فرجعوا إلى بلادهم وأبى ذلك عليهم رجالهم فلم يتبعه أحد منهم، (ومرت سنون هكذا)، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وحجَّ حجّة الوداع لقيه مَيْسرة فعرفه.
فقال يا رسول الله، والله ما زلت حريصاً على اتِّباعك من يوم أنختَ بنا حتى كان ما كان، وأبى الله إلا ما ترى من تأخير إسلامي، وقد مات عامة النَّفر الذين كانوا معي فأين مدخلهم يا نبي الله؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل من مات على غير دين الإِسلام فهو في النار، فقال: الحمد لله الذي أنقذني، فأسلم فحسن إسلامه، وكان له عند أبي بكر رضي الله عنه مكان (حياة الصحابة ١/١١6)