الرئيسية / روضة الحب / روضة الحبّ – ٣٨

روضة الحبّ – ٣٨

العفو والصفح

كان سيدنا وائل بن حجر رضي الله عنه صحابيا مشهورا من أهل اليمن، وكان من أبناء الملوك.

حكي أنه لما خرج من اليمن قاصدا المدينة المنوّرة يريد الإسلام، فقبل وصوله، بشّر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم الصحابة رضي الله عنهم بأنه قادم.

وقال صلى الله عليه وسلم: يأتيكم وائل بن حجر من أرض بعيدة، من حضرموت، طائعا راغبا في الله عز وجل وفي رسوله، وهو بقية أبناء الملوك.

فلما دخل على النبي صلى الله عليه وسلّم، رحّب به، وأدناه من نفسه، وقرب مجلسه، وبسط له رداءه، وقال: اللهم بارك في وائل وولده وولد ولده، واستعمله النبي صلى الله عليه وسلّم (أي: جعله أميرا) على أهل حضرموت.

وقبل الرجوع إلى اليمن، طلب من سيدنا رسول الله صلى الله عليه أن يعطيه أرضا باليمن، فأعطاه أرضا وأرسل معه سيدنا معاوية رضي الله عنه ليقطعها له. فخرج سيدنا وائل وسيدنا معاوية رضي الله عنهما من المدينة المنوّرة، وكان سيدنا وائل رضي الله عنه راكبا، وسيدنا معاوية رضي الله عنه ماشيا على قدميه، لأنه كان فقيرا لا يملك نعلين يقي بهما قدميه.

فلمّا سار سيدنا معاوية رضي الله عنه في حر الرمضاء، وأحرق قدميه، واشتدّ الألم، قال لسيدنا وائل رضي الله عنه: أردفني خلفك (أركبني خلفك)، فقد أحرقت الرمضاء رجلي، فقال سيدنا وائل رضي الله عنه: لست من أرداف الملوك (لا تجدر أن تجلس مع الملوك)

فقال سيدنا معاوية لسيدنا وائل رضي الله عنهما: فأعطني نعليك كي أقي بهما قدمي بهما من الحر، فقال سيدنا وائل رضي الله عنه: انتعل ظل الناقة (امش في ظل ناقتي)، فسكت سيدنا معاوية رضي الله عنه ومشى حافيا.

فلما رجع سيدنا معاوية رضي الله عنه إلى المدينة المنوّرة، أخبر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم بما وقع خلال السفر، وكيف تعامل معه سيدنا وائل رضي الله عنه، فقال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم: إنَّ فيه لعُبيَّة من عبيَّةِ الجاهلية، ارفُقوا به فإنَّه قريبُ عهدٍ بمُلك، أي: إنه أسلم حاليا ولم يقض إلا أياما قليلة مع سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم ولم يتحل بجميع صفاته، فتعامل معك كما تعامل، ولكن بعد ذلك، نال مرتبة عظيمة في دينه وبلغ قمة الصلاح والتقوى.

كان سيدنا معاوية رضي الله فقيرا صعلوكا آنذاك، ولكن قدّر الله عزّ وجلّ أن يكون أميرا في الدنيا. فلما غادر سيدنا رسول الله عليه وسلم الدنيا، استخلف سيدنا أبو بكر رضي الله عنه، ثم سيدنا عمر رضي الله عنه، ثم سيدنا عثمان رضي الله عنه، ثم سيدنا علي رضي الله عنه، إلى أن صار سيدنا معاوية رضي الله عنه خليفة المسلمين.

فلمّا علم سيدنا وائل رضي الله عنه أن سيدنا معاوية رضي الله عنه صار الخليفة، ارتحل إليه ليهنئه بهذه المناسبة. فلما سمع سيدنا معاوية رضي الله عنه عن قدومه، خرج إليه، ورحب به وأكرمه وقرب مجسله فأجلسه على سريره معه وأعطاه جوائز.

ثم قال سيدنا معاوية رضي الله عنه له: أتذكر يوم كذا وقولك لي (يوم سرنا معا)، فتذكر سيدنا وائل رضي الله عنه ذلك ورأى كيف يكرمه سيدنا معاوية رضي الله عنه الآن، فندم واعترف بخطأه، وقال له: يا أمير المؤمنين كنتُ حديث عهد بجاهلية وكفر، وكانت تلك سيرة الجاهلية، فقد أتانا الله بالإِسلام (أي: لم أتحل بخلق الإسلام حينئذ، وقد من الله علينا بالأخلاق الإسلامية الآن)

وكان سيدنا وائل رضي الله عنه إذا حدّث بهذه القصة بعد ذلك، كان يقول: وددت أني كنت حملته بين يدي (من مسند أحمد، الرقم: ٢٧٢٣٩، سنن الترمذي، الرقم: ١٣٨١، البداية والنهاية ٧/٣٣٠، تاريخ دمشق ٦٢/٣٨٦)

تدل هذه القصة على أن سيدنا معاوية رضي الله عنه لم يكن في قلبه شيء من البغض والعداوة على سيدنا وائل رضي الله عنه، وإن تعامل معه سيدنا وائل رضي الله عنه بجفاء، بل أكرمه ورحب به، وكان هذا عملا بقول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ارفق به، فعفا عنه. وكان العفو والصفح من خلق سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان صلى الله عليه وسلم يعفو عمن يظلمه ويؤذيه.

رزقنا الله قلبا يعفو ويصفح ووفقنا للتخلق بخلق سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم.

شاهد أيضاً

روضة الحبّ – ٤٨ – تنال زبيدة مغفرة الله بسبب تعظيمها الأذان

إن الغرض من خلق الله عزّ وجلّ الدنيا وإرسال الأنبياء والرسل إليها إقامةُ الشريعة  – …