الرئيسية / التفسير / تفسير سورة البينة

تفسير سورة البينة

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

لَمْ يَكُنِ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَٰبِ وَٱلْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ ٱلْبَيِّنَةُ ‎﴿١﴾‏ رَسُولٌ مِّنَ ٱللَّهِ يَتْلُوا صُحُفًا مُّطَهَّرَةً ‎﴿٢﴾‏ فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ ‎﴿٣﴾‏

مُنفَكِّينَ أي منتهين عمّا هم عليه من الكفر

كانت الفترة قبل نبوة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مظلمة أشد الظلام لم يشهدها التاريخ البشري من قبل. وكان أهل الكتاب – من اليهود والنصارى – والمشركون غارقين في الظلمات بحيث لم يمكن لهم أن يخرجوا منها حتى رأوا الحجة الواضحة والبينة الثابتة. وكانت هذه الحجة الواضحة والبينة الثابتة سيدَنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم يتلو عليهم آيات القرآن الكريم البينة الطاهرة.

فلما جاءهم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقرآن الكريم ودين الحق، عرفوا أنه نبي الله كما كانوا يعرفون أبناءهم. ولم يكن عندهم أدنى شك في أنه خاتم الأنبياء الذي أخبرتهم عنه كتبهم السماوية. ولذلك كانوا يقولون للمشركين: إنه سيرسل نبي وأنهم سيؤمنون به ويغلبونهم، وكانوا يدعون بالبركة والنصر بوسيلته. لكن لما جاءهم  النبي صلى الله عليه وسلم، كفروا به.

وَمَا تَفَرَّقَ ٱلَّذِينَ أُوتُوْا ٱلْكِتٰبَ إِلَّا مِن م بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَةُ ‎﴿٤﴾‏ وَمَآ أُمِرُوٓا إِلَّا لِيَعْبُدُوْا ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ حُنَفَآءَ وَيُقِيمُوْا ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤْتُوْا ٱلزَّكَوٰةَ ۚ  وَذٰلِكَ دِينُ ٱلْقَيِّمَةِ ‎﴿٥﴾‏

حُنَفَآءَ: أي مائلين عن الأديان كلها إلى دين الإسلام

أمر أهل الكتاب باتباع النبي صلى الله عليه وسلّم والإيمان به، لكنهم لم يؤمنوا به ولم يصدقوا بما جاء به من آيات القرآن البينة، فضلوا السبيل وحادوا عن الصراط المستقيم.

إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوْا مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتٰبِ وَٱلْمُشْرِكِينَ فِى نَارِ جَهَنَّمَ خٰلِدِينَ فِيهَآ ۚ  أُوْلَٰٓئِكَ هُمْ شَرُّ ٱلْبَرِيَّةِ ‎﴿٦﴾

النجاة في الآخرة تتوقف على الإيمان الكامل. فمن يؤمن بالله ورسوله، يدخل الجنة خالدا فيها. ومن كفر بالله، يدخل النار ويعذّب فيها خالدا مخلّدا.

قد بين الله تعالى في هذه الآية الكريمة بكل جلاء ووضوح أن النجاة في الآخرة تتوقف على الإيمان به وبدينه الكامل وعلى التصديق بنبوة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. أما اليهود والنصارى فلم يؤمنوا بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم فهم يدخلون جهنم.

وليس الأمر كما ظنّ بعض الناس أنّهم – اليهود والنصارى – ينجون في الآخرة ويدخلون الجنة بكونهم مؤمنين بالتوراة والإنجيل، لأن من أصول الإيمان الإيمان بجميع الأنبياء. وتكذيب واحد من الأنبياء بمنزلة تكذيب الجميع. فاليهود والنصارى يخلدون في النار لأجل تكذيبهم بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن تكذيبه يفضي إلى تكذيب جميع الأنبياء السابقين.

أُوْلَٰٓئِكَ هُمْ شَرُّ ٱلْبَرِيَّةِ

أي: اليهود والنصارى شر من جميع المخلوقات التي نعلمها – من الإنس والجن والحيوانات والدواب والجن – والتي لا نعلمها،  فهم أذلّاء وأخسّاء عند الله تعالى. وليس ذلك إلا بسبب تكذيبهم بالحق وعدم الإيمان بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 إِنَّ الَّذِينَ اٰمَنُوْا وَعَمِلُوْا الصّٰلِحٰتِ أُولَٰٓئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ‎﴿٧﴾‏ جَزَآؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنّٰتُ عَدْنٍ تَجْرِىْ مِن تَحْتِهَا الْأَنْهٰرُ خٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدًا ۖ رَّضِىَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ ذٰلِكَ لِمَنْ خَشِىَ رَبَّهُۥ ‎﴿٨﴾‏

يوم القيامة يقول الله تبارك وتعالى لأهل الجنة: يا أهل الجنة ؟ فيقولون: لبيك ربنا وسعديك فيقول هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك فيقول: أنا أعطيكم أفضل من ذلك قالوا: يا رب وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا (صحيح البخاري، الرقم: ٦١٨٣)

النعمة العظمى التي يتفضل الله تعالى بها على أهل الجنة هي رضاه الدائم وعدم سخطه عليهم. وما يغمرهم من البهجة والسرور بحصول هذه النعمة العظيمة يفوق سائر النعم والمنح التي يتمتعون بها في الجنة.

فلا شك أن الدخول في الجنة والفوز برضى الله الدائم غايتان عظيمتان لا تعادلهما غاية. وتحقيقهما ليس بصعب. فمن أراد الفوز بهما، فما عليه إلا أن يتقي الله تعالى في السر والعلن ويخاف الحساب يوم القيامة؛ لأنه إذا خافه، يصلح حياته، ويجتنب الذنوب والآثام، ولا يحيد عن الصراط المستقيم، ولا يغفل عن أداء حقوق الله تعالى وحقوق العباد. وإذا اتصف بذلك (أي: بالصفات المذكورة)، يفوز بالدخول في الجنة ورضى الله المستديم. وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.

شاهد أيضاً

تفسير سورة النصر

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيْمِ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللّٰهِ وَالْفَتْحُ ‎﴿١﴾‏ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا …