اختيار رفيق الحياة
يعتري الإنسانَ الهمّ عند اختيار رفيق الحياة. فالرجل يهمّه أن يظفر بالمرأة التي تلائم طبعه، حتى تسعده في حياته. وكذلك يهتمّ أن تكون ممن تصلح أن تصير أمّا حنونا لأولاده، وأن تعيش مع أسرته بعزّ ووقار. والمرأة يهمّها أن تجد زوجا يتمكّن من قضاء حوائجها ومساعدتها ماليا.
وأمثال هذه الهموم والأفكار تخطر ببال المرء قبل النكاح، لأنه يعلم أنه يكاد يبدأ رحلة جديدة في حياته، وأن ما يقرّره الآن يكون سببا في إسعاد حياته أو سببا في حزنه وندامته طول الحياة. فما هو تعليم ديننا بهذه المناسبة؟
يرشدنا ديننا إلى أن الرجلَ ربما يختار امراةً لحسبها، وأحيانا لجمالها أو لمالها، لكن ينبغي أن يكون الصلاح والتقوى على رأس كلّ شيء.
فعن سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تُنْكَحُ المَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ، تَرِبَتْ يَدَاكَ (صحيح البخاري، الرقم: ٥٠٩٠)
وأدرك الصحابة الكرام رضي الله عنهم والتابعون أهمية اختيار زوج صالح لبناتهم، لأنهم كانوا يعلمون أن الزوج الصالح يؤدّي حقوق زوجته ويحترمها ويعطف عليها. وإن لم يكن صالحا، فربما لا يؤدّي حقوقها، بل يمكن أن يظلمها.
فروي أن رجلا جاء إلى التابعي الجليل الحسن البصري رحمه الله وقال: إن لي بنتا وقد خطبها غير واحد، فمن تشير عليَّ أن أزوّجها؟ قال: زوّجها رجلا يتقي الله، فإنه إن أحبّها أكرمها، وإن أبغضها لم يظلمها (مرقاة المفاتيح ٥/٢٠٤٣)
وعن ثابت البناني رحمه الله قال: خطب يزيد بن معاوية إلى سيدنا أبي الدرداء رضي الله عنه ابنته الدرداء فردّه (مع أن يزيد كان الأمير حينئذ)، فقال رجل (صالح) من جلساء يزيد: أصلحك الله، تأذن لي أن أتزوّجها؟ قال: أغرِب (ابتعد) ويلك قال: فائذن لي، أصلحك الله، قال: نعم
فخطبها فأنكحها سيدنا أبو الدرداء رضي الله عنه الرجلَ، قال: فسار ذلك في الناس: أن يزيد خطب إلى أبي الدرداء فردّه، وخطب إليه رجل من ضعفاء المسلمين فأنكحه، فقال سيدنا أبو الدرداء رضي الله عنه: إني نظرت للدرداء، ما ظنكم بالدرداء إذا قامت على رأسها الخصيان (الخدم)؟ ونظرت في بيوت يلتمع فيها بصرها، أين دينها منها يومئذ؟ (حلية الأولياء ١/٢١٥)