بسم الله الرحمن الرحيم
وَالنَّازِعَاتِ غَرقًا ﴿١﴾ وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا ﴿٢﴾ وَالسَّابِحَاتِ سَبحًا ﴿٣﴾ فَالسَّابِقَاتِ سَبقًا ﴿٤﴾ فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا ﴿٥﴾
والنازعات غرقا: أي أقسم بالملائكة التي تنزع أرواح الكفار نزعا بالغا أقصى الغاية في الشدة والعسر.
والناشطات نشطا: أي وأقسم بالملائكة التي تنزع أرواح المؤمنين بسهولة ويسر.
والسابحات سبحا: أي وأقسم بالملائكة تنزل من السماء بأمره تعالى ووحيه.
فالسابقات سبقا: أي وأقسم بالملائكة التي تتسابق في امتثال أوامر الله عزّ وجلّ.
فالمدبرات أمرا: أي وأقسم بالملائكة التي تدبر شئون الكون بأمره تعالى.
كما أن السورة السابقة – سورة النبأ – نزلت لإثبات يوم القيامة، كذلك نزلت هذه السورة لبيان بعض شؤون يوم القيامة.
وقد افتتح الله تعالى هذه السورة بالقَسم ببعض صفات الملائكة، ليُؤكّد أن يوم القيامة حقيقةٌ لا ريب فيها. وبعد ذلك، ذكر الله عزّ وجلّ يوم القيامة في الآية السادسة.
والحكمة الظاهرة في قسم الله عزّ وجلّ بالملائكة التي تقبض الأرواح تنبيه الإنسان على أن قيامة كل فرد تبدأ عند موته؛ ولذا يقال: مَن مات فقد قامت قيامته.
فالقيامة الحقيقية لجميع الخلق تقع عند انتهاء الدنيا. لكن لما كان موت كل إنسان نقطة بداية الحياة الأخروية له، اعتبر موته بمنزلة القيامة الفردية له.
وقد ذكرت في هذه الآيات خمس صفات للملائكة، وهي كما يلي:
الصفة الأولى للملائكة
وَالنّازِعَاتِ غَرْقًا
أي: أقسم بالملائكة التي تنزع أرواح الكفار نزعا بالغا أقصى الغاية في الشدة والعسر.
في هذه الآية، يتحدث الله تعالى عن ملائكة الموت الذين يَنتزعون أرواح الكفار بشدّة وعنف، وبقوة كاملة، بدون رحمة ما. ويقال لهؤلاء الملائكة
ملائكة العذاب.
وكلمة “غَرْقًا” تدل على شدّة الألم الروحي، لا البدني. ولذا قد لا يشعر من حول المحتضر بما يعانيه؛ لأن الألم الذي يصيب الروح لا يظهر على الجسد دائمًا.
وقد يبدو أحيانًا أنّ روح الكافر تخرج بسهولة، ولكن الحقيقة على عكس ذلك؛ فالآية تُخبرنا بما يلاقيه الكافر من هول وألم عند خروج روحه.
الصفة الثانية للملائكة
وَالنّاشِطَاتِ نَشْطًا
أي: وأقسم بالملائكة التي تنزع أرواح المؤمنين بسهولة ويسر، وهم ملائكة الرحمة، يؤمرون بأن يُحسنوا معاملة المؤمنين.
وكلمة “الناشطات” مشتقة من “النَّشْط” وهو في اللغة حلّ العُقدة برفق، كفتح شيء فيه هواء أو ماء ليخرج الهواء أو الماء بسهولة. وهو كناية عن خروج روح المؤمن بسهولة ويسر، وكأنها كانت مربوطة بالجسد، فحُلَّت عقدتها برفق.
وكلمة “نَشْطًا” هنا تعني الرِّفق الروحي، لا الرِّفق الظاهر الجسدي بالضرورة؛ فقد يُرى المؤمن الصالح في شدّة عند موته، ولكن تلك الشدّة قد لا تكون عذابا لروحه، وإن كان يبدو لمن حوله أنه يعاني مشقة.
فعند موت الكافر، تُعرض عليه مشاهد عذاب البرزخ، فيرتعب منها، فتتحرّك روحه في الجسد محاولةً للهرب، فينتزعها الملَك بشدّة وعنف، كما ورد في حديث سيدنا البراء بن عازب رضي الله عنه في مسند أحمد: فينتزعها كما ينتزع السفود (الحديدة التى يشوى بها اللحم) من الصوف المبلول.
أما المؤمن، فعندما يرى عند موته ما أعده الله تعالى له من النعم والجنات فتخرج روحه بغاية السهولة واليسر.
إحياء السنة إحياء سنة رسول الله ﷺ