كل عمل صالح وفعل معروف في الإسلام يستطيع أن يربط العبد بالله عزّ وجلّ ويجعله يكسب به أجرا عظيما في الآخرة، إلّا أن هناك أعمالا مخصوصة لها أهمّية بالغة في نظر الله عزّ وجلّ فهي تستطيع أن تكسب الإنسان خير الدين كلّه مع خير الدنيا. ومن تلك الأعمال المخصوصة: الإحسان إلى الخلق والاهتمام بأمورهم الدينية والدنيوية.
وقد ذكرت قصص عديدة في التاريخ تبيّن كيف منح الله الناس فضله ورحمته وغيّر أحوالهم من الشرّ إلى الخير بسبب إحسانهم إلى الخلق سواء كانوا مسلمين أو كافرين وحتى الحيوانات.
وفيما يلي قصة لرجل كان في ظاهر أمره رجلا عاديا، إلا أنه نال رتبة عظيمة في الآخرة بسبب خدمة والديه وأداء حقوقهما بالحبّ والشفقة والرحمة، فدعاء والديه من أعماق قلوبهما أكسبه رتبة عظيمة حتى صار رفيق سيدنا موسى عليه السلام في الجنة.
فقد حكي أن سيدنا موسى عليه السلام سأل ربه ذات مرة أن يريه رفيقه في الجنة. فأوحى الله تعالى إليه: يا موسى! انطلق إلى مدينة كذا وكذا، فإنك ترى رفيقك في الجنة.
فسار سيدنا موسى عليه السلام حتى انتهى إلى تلك المدينة، فتلقاه شابّ فسلّم عليه، فقال له سيدنا موسى عليه السلام: عليك يا عبد الله السلام، أنا ضيفك الليلة.
فقال له الشاب: يا هذا، رضيتُ، إن رضيتَ بما عندي أنزلتُك وأكرمتُك، فقال له سيدنا موسى عليه السلام: قد رضيتُ بما عندك.
وكان الشاب جزاراً، فبعدما قبل سيدَنا موسى عليه السلام ضيفا له، أخذه ومضى إلى حانوته، فأجلسه حتى فرغ من بيعه وشرائه، وكان الشابّ لا يمرّ بشحم ولا مخ إلا عزله.
فلما كان وقت الإنصراف أخذ بيد سيدنا موسى عليه السلام، وانطلق به إلى منزله، ثم أخذ الشابّ الشحم والمخ وطبخه.
ثم دخل بيتًا (غرفة) فيه قفتان (مقطفان) معلقتان في السقف فأنزل أحدهما إنزالا رفيقًا، وإذا فيها شيخ كبير قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر، فأخرجه من القفة وغسل وجهه وثيابه وبخّرها، ثم ألبسه إياها، ثم أخذ خبزًا وثرده، وصب عليه الشحم والمخ وأطعمه حتى شبع، وسقاه حتى روي، فقال الشيخ: يا ولدي لا خيّب الله سعيك معي، وجعلك رفيقًا لموسى بن عمران في الجنة.
ثم أنزل القفة الثانية وإذا فيها عجوز كبيرة، فصنع معها مثل ما صنع بالشيخ، فقالت: الحمد لله يا ولدي، لا خيّب الله سعيك معي، وجعلك رفيق موسى بن عمران في الجنة، ثم ردهما إلى مكانهما.
وخرج سيدنا موسى عليه السلام وهو يبكي رحمة لهما، فتبعه الشابّ وقدّم له طعامًا، فقال: يا أخي، ما أنا محتاج إلى طعامك، ولكن سألت الله أن يريني رفيقي في الجنة، فأوحى الله تعالى إلي أن رفيقي في الجنة أنت، فقال الشاب: من أنت يرحمك الله؟ فقال: أنا موسى بن عمران، فخرّ الشاب مغشيًا عليه
فلما أفاق، دخل على والديه وأخبرهما أن الله عزّ وجلّ قد استجاب دعاءهما وأن هذا موسى قد أخبره بذلك عن رب العالمين. فلما سمعا ذلك شهقا فماتا معًا، فغسلهما موسى عليه السلام وصلى عليهما، وصحبه الشابّ إلى أن مات (الزهر الفائح صـ ٢٨)
يتجلّى من هذه القصة أن الشابّ حظي بشرف رفقة سيدنا موسى عليه السلام ومصاحبته في الجنة بسبب دعاء والديه الذي اكتسبه بخدمتهما وطاعتهما والشفقة والرحمة لهما. فإذا خدمنا نحن والدينا وأدّينا حقوقهما وعاملناهما بالرحمة والشفقة، فإن الله يرزقنا القبول أيضا.