قد أصيب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد بحادثة مؤلمة للغاية، وهي شهادة سيدنا حمزة رضي الله عنه – عم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. والذي قتله هو وحشي بن حرب الذي لم يكن مسلما آنذاك، ثم أنعم الله عليه بالإسلام وأكرمه بأن يكون من أصحاب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم. وقصة إسلامه ما يأتي:
لما أنعم الله على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم بفتح مكة المكرمة، هرب سيدنا وحشي رضي الله عنه إلى الطائف خوفا من أن يقبضه المسلمون فيقتلوه بسيدنا حمزة رضي الله عنه قصاصا عنه.
ثم لما أراد أهل الطائف أن يسلموا، أرسلوا وفدا لهم إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصحب سيدنا وحشي رضي الله عنه الوفد إلى مكة المكرمة، حتى قدم على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رآه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: آنت وحشي، قال: نعم، فقال صلى الله عليه وسلم: أنت قتلت حمزة؟ قال: قد كان من الأمر ما بلغك
لكن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحمل بين جنبيه قلبا يخفق بالاهتمام والعناية حتى لقاتل عمه سيدنا وحشي رضي الله عنه. ولم يكن هذا الاهتمام البالغ إلا بسبب حبه صلى الله عليه وسلم لكل فرد من أمته. فدعا سيدُنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم سيدَنا وحشيا رضي الله عنه إلى الإسلام، فأراد أن يسلم، إلا أنه كان يكمن في قلبه بعض التحفظات، فقال: يا محمد كيف تدعوني وأنت تزعم أن من قتل أو أشرك أو زنى يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا، وأنا صنعت ذلك فهل تجد لي من رخصة (هل يمكن أن يُغفر لي)
فأنزل الله عز وجل: إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما
فقال سيدنا وحشي رضي الله عنه: يا محمد هذا شرط شديد – إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا -، فلعلي لا أقدر على هذا، فأنزل الله عزّ وجلّ: إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء
فقال سيدنا وحشي رضي الله عنه: يا محمد هذا أرى بعد مشيئة فلا أدري يغفر لي أم لا فهل غير هذا؟ فأنزل الله عز وجل: يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم
قال سيدنا وحشي رضي الله عنه: هذا نَعَم فأسلم
فقال الناس: يا رسول الله إنا أصبنا ما أصاب وحشي قال صلى الله عليه وسلم: هي للمسلمين عامة
يتجلى من هذه القصة حب الله الشديد لعباده. فالله عزّ وجلّ يحب أن يغفر. فالإنسان – وإن كان بعيدا عن الدين غارقا في الذنوب الكبيرة والمعاصي الكثيرة – إذا تاب إلى الله توبة نصوحا وعزم على إصلاح حاله، تاب الله عليه وغفر ذنبه.
فقد ورد في الحديث القدسي أن الله تبارك وتعالى قال: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك، ولا أبالي، يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة (سنن الترمذي، الرقم: ٣٥٤٠)
فعلى المؤمن أن لا ييأس ولا يقنط من رحمة الله أبدا، بل يرجو رحمة ربّه ما دام حيّا. وفقنا الله للتوبة والإنابة إليه دائما.