الولي الجليل والمحدث الكبير الفضيل بن عياض رحمه الله
كان الفضيل بن عياض رحمه الله من المحدثين الكبار والأولياء الصادقين. وكان ممن رزقه الله عزّ وجلّ رتبة عالية في علم الحديث الشريف حتى روى عنه المحدثون الكبار مثل الإمام عبد الله بن المبارك والإمام سفيان بن عيينة والإمام الشافعي رحمهم الله.
قد حكي عنه أنه كان في أول الأمر من قطاع الطريق، لكنّ توفيق الله عزّ وجلّ أدركه فتاب وأصلح حياته. وفيما يلي قصة توبته:
ذات مرّة، كانت قافلة تسير في الطريق الذي كان الفضيل يقطع على الناس فيه. وكان في القافلة قارئ يقرأ القرآن بصوت جميل. فلمّا مرّت القافلة بالفضيل، كان القارئ يقرأ قوله تعالى: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُوٓا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ ٱللَّهِ، فلمّا سمعه الفضيل بن عياض رحمه الله، تأثّر به وتاب وارعوى عن حياة المعاصي.
ومما يشهد على فضله وكماله ما روي عن الفضل بن الربيع قال: حج أمير المؤمنين – يعني: هارون الرشيد – فقال لي: ويحك! قد حكّ في نفسي شيء (أي: وجدت في نفسي قسوةً)، فانظر لي رجلا أسأله (وأنتفع بصحبته)، فقلت: ها هنا سفيان بن عيينة. فقال: امض بنا إليه. فأتيناه، فقرعت بابه، فقال: من ذا؟ فقلت: أَجِبْ أمير المؤمنين. فخرج مسرعا، فقال: يا أمير المؤمنين! لو أرسلت إلي، أتيتك. فقال: خذ لما جئناك له (أي: أتيناك لتنصحنا، فانصحنا)
فحدّثه ساعة، ثم قال له: عليك دَين؟ قال: نعم. فقال لي: اقض دينه. فلما خرجنا، قال: ما أغنى عني صاحبك شيئا (أي: لم أستفد منه كما أريد)
قلت: ها هنا عبد الرزاق قال: امض بنا إليه. فأتيناه، فقرعت الباب، فخرج، وحادثه ساعة، ثم قال: عليك دين؟ قال: نعم قال: أبا عباس! اقض دينه. فلما خرجنا، قال: ما أغنى عني صاحبك شيئا، انظر لي رجلا أسأله.
قلت: ها هنا الفضيل بن عياض. قال: امض بنا إليه، فأتيناه، فطلب منه النصيحة. فقال له الفضيل رحمه الله: لما ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة، دعا سالم بن عبد الله، ومحمد بن كعب، ورجاء بن حيوة رحمهم الله، فقال لهم: إني قد ابتليت بهذا البلاء، فأشيروا علي. فعدَّ عمر بن عبد العزيز رحمه الله الخلافةَ بلاء، وأما أنت وأصحابك يا أمير المؤمنين فتعدّونها نعمة.
فلم يزل الفضيل رحمه الله ينصحه ويحذّره عذاب جهنم إن لم يقم بأمور الخلافة حسب الشريعة حتى بكى هارون الرشيد بكاء شديدا.
ثم قال له: عليك دين؟ قال: نعم، دين لربي (فساعدني إن استطعت مساعدتي) فقال: هذه ألف دينار، خذها، فأَنْفِقْهَا على عيالك، وتقوَّ بها على عبادة ربك. فقال: سبحان الله! أنا أدلّك على طريق النجاة، وأنت تكافئني بمثل هذا (أي: تعطيها لمن لا حاجة له إليها)
فلما خرجا من عنده، قال هارون للفضل: أبا عباس (الفضل)! إذا دللتني، فدُلَّنِيْ على مثل هذا، هذا سيد المسلمين (من سير أعلام النبلاء ٢/٣٥٨)
تأثّر هارون الرشيد بالفضيل بن عياض رحمه الله وبصفاته الجميلة التي تحلّى بها، من خوف الحساب والتقوى والزهد في الدنيا والالتزام بالشريعة واتباع السنّة والنصح للأمير بما فيه الخير له في الدنيا والآخرة. والحاصل أن هارون الرشيد رأى أن الفضيل كان مثالا حيّا للسنّة النبوية.