الرئيسية / روضة الحب / روضة الحبّ – ٣٤

روضة الحبّ – ٣٤

مشاورة العلماء الصالحين

“راجع أهل الخبرة في فنّهم” أصل مشتهر ومعمول به في جميع مجالات الحياة. فانطلاقا من ذلك، إذا أراد شخص أن يبني قصرا ذا أدوار، فعليه أن يتّبع الإجراءات اللازمة لتنفيذ مشروعه وهي أن يبحث أوّلا عن مخطّط معماري لتخطيط بنائه، ثم يشاور مهندسا ثم يستأجر مقاولا لبناء قصره.

لكن إذا أراد أن يبني البناء بنفسه، من غير أن يراجع مخطّطا معماريا ولا منهدسا ولا مقاولا، تكون عاقبة ذلك وبيلة. ومن المحتمل أن يسقط البناء عليه وعلى من حوله فيهلكه والآخرين.

وكذلك يلزم على من يعاني من مشاكل صحّية أن يطلب رأي الأطباء الماهرين. وهكذا يلزم على التاجر أن يستشير المحاسب، وإذا واجه مشكلة قانونية، فليستشر المحامي. وهكذا في جميع شعب الحياة، يستشير الناس ويسترشدون أهل الخبرة في الفن.

فعلينا أن نعمل بهذا الأصل في أمور ديننا أيضا. فإذا واجهنا مشكلة ما، فلنستشر العلماء الراسخين الصالحين.

وقد حثّ سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم الأمة على مشاورة العلماء، لكونهم أعلم بأمور الدين من غيرهم. فبمشاورتهم يعلم المرء حكم الشرع في أمره، فيتمسّك بذلك ويفوز برضى الله عزّ وجلّ. ومن يفعل شيئا من غير أن يعلم حكم الشرع فيه فهو كمن يخبط خبط عشواء.

وممّا أمرنا الشرع الحنيف بالتأكيد بالمشاورة فيه هو أمر النكاح. فعلي كلّ من رغب في التزوّج أن يشاور أبويه وكبار أسرته، ولا سيّما  المرأة، فإنه يتحتم عليها أن تراجع والديها وكبار أسرتها في اختيار الزوج الصالح لها. ومن العار على المرأة أن تبحث بنفسها عن زوج لها وتزوّج نفسها، فإن هذا ليس من الحياء في شيء، فمن تروّجت بدون ولي، يخلو نكاحها من البركة والخير تماما. وذلك لأن الوالدين أو كبار الأسرة أكثر فهما وخبرة في أمور الحياة، فهم قد اختبروا الحياة وجربوا الأمور صعبها وسهلها. فالأسلم للبنت أن تستشير والديها بدلا من أن تغامر بنفسها في ما لا علم ولا خبرة لها، فتقع فيما يسوؤها في المستقبل. وإننا نجد من واقعنا أن عددا من البنات اللاتي لم يستشرن والديهن وتزوجن بأنفسهن، وقعن في مشاكل مؤلمة.

وليعلم أن مشاورة الكبار الصالحين والعلماء المهديين سبب الحصول على البركة والسعادة في الحياة. فقد قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: الْبَرَكَةُ مَعَ أَكَابِرِكُمْ (صحيح ابن حبان، الرقم: ٥٥٩)، وقال أيضا: وَلَا نَدِمَ مَنِ اسْتَشَارَ (المعجم الأوسط للطبراني، الرقم: ٦٦٢٧)

وفيما يلي قصة ذات عبرة تؤكد على أهمية مشاورة الكبار والعلماء الصالحين قبل اتخاذ أي قرار

قصة حفيدة الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله

كان الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله من علماء سوريا. وقد أرادت حفيدته أن تنتقل مرة إلى كندا. تقول:

لقد امتلك جدنا (علي الطنطاوي) رحمه الله من الحكمة ما جعله يمنعنا من متابعة إجراءات الهجرة إلى كندا عندما هممنا بذلك قديماً وأولادنا ما زالوا صغاراً. يومها داخلني شك في حجته، وأخذني غرور الشباب وشعورهم بالسيطرة على أمورهم وأولادهم، لاعتباره شدة منه لا مبرر لها. رحمه الله أما اليوم فإنني أوافقه تماماً على حجته، بل وأستحضرها كلما سمعت عمن أضاع دين ولده وسط زحمة العيش في بلاد الكفار، حيث قال: “اختيار العيش في بلاد الكفر يضيع النسل، فإن استطعتم حماية أولادكم فلن تضمنوا ذرياتكم، فلا تحملوا وزرهم”.

تظهر من هذه القصة أهمية العمل بالسنّة النبوية ومشاورة الكبار الصالحين. فلنغضّ بنواجذنا على هذا الخلق الخسن كي يستقيم ديننا ودنيانا.

شاهد أيضاً

مقارنة الإسلام بالأديان السابقة – روضة الحبّ – ٥٩

عندما نقارن الإسلام بالأديان السابقة، نجد أن الإسلام لم يحرّم المنكرات والسيئات فحسب، بل حرّم …