العناية بإصلاح دين الآخرين
كان الشيخ ولي الله الدهلوي رحمه الله يعدّ من المحدّثين الأفذاذ والعلماء الربّانيين المشهورين. تقبّله اللهُ لخدمة دينه ورزقه من الأولاد من كانوا من أبرز علماء زمنهم وأصلحهم. وكان من أولاده الشيخ عبد القادر الدهلوي رحمه الله رحمة واسعة. من مآثره الغراء أنه ترجم – بتوفيق العزيز العلّام – القرآن الكريم إلى اللغة الأردية، ونالت ترجمته – التي تسمى بموضح القرآن – حسن القبول في القارّة الهندية. ومن ميزات هذه الترجمة أن الشيخ رحمه الله فرغ منها في مدّة أربعين سنة وهو يعتكف خلالها في مسجد “أكبر آبادي”.
هذا إلى أنه قد حكيت حكايات تشهد بصلاح الشيخ عبد القادر رحمه الله وتقواه وعنايته بإصلاح دين الآخرين. وفيما يلي قصة عجيبة تدلّ على حكمته وموعظته الحسنة:
بينما كان الشيخ يخطب يوما، راى في الناس رجلا مسبلا إزاره. فلم ينبّهه الشيخ على الفور، لئلا يفتضح أمام الناس.
ولكنه كان حريصا للغاية أن يهتدي الرجل ويتوب عن عمله. فانتظر الفرصة لتصويبه وإصلاحه. فلمّا انتهت المحاضرة، أقبل عليه بلطف وحبّ، وقال له: “يا أخي، انتظرني قليلا، فأنا أريد أن أتحدّث معك”.
فلمّا انصرف الناس، قال له الشيخ بحب وشفقة: “يا أخي! عندي مشكلة، وهي أن إزاري – بسبب كبر سنّي – يسفل أحيانا دون أن أشعر. وهذا يهمّني كثيرا، فقد وردت أحاديث عديدة في الوعيد لمن يسبل إزاره”، وذكر الشيخ رحمه الله بعض الأحاديث الواردة فيه، ثم قام وقال له: من فضلك، انظر إلى إزاري، هل هو أسفل من كعبي أو فوقه؟
فانتبه الرجل، وأدرك أن هذه المشكلة ليست مع الشيخ بل معه، وأن الشيخ نبّهه عليها بدون أن يفضحه، فتمسّك برِجل الشيخ وقال له: ” المشكلة ليست فيك بل فيّ، والآن أنا أتوب عن هذا الذنب وأعزم ألا أعود إليه أبدا”
تشهد هذه القصّة بأن الصالحين مرايا سنن رسول الله صلى الله عليه وسلّم. فهم يهتمون بإصلاح دين الآخرين وهدايتهم كما يهتمون بإصلاح نفوسهم وتزكيتها.، ويأخذ منهم الهم والأسى كل مأخذ إذا رأوا أحدا يرتكب معصية، فيصلحونه بالحكمة ويخرجونه من المعصية بالموعظة الحسنة بدون نقد وتعيير، بل بحبّ وكرامة.