الرئيسية / روضة الحب / روضة الحب – ٢٦

روضة الحب – ٢٦

النصح للآخرين

كل خصلة من خصال الإسلام العليا في غاية الروعة والجمال. فتوقير الكبار والرحمة والشفقة  على الصِّغَار وأداء حقوق الوالدين والأقارب، جميع هذه الشمائل مظاهر الجمال الذي تفرّد به الإسلام. وروحها ما ورد في حديث واحد، وهو قوله صلى الله عليه وسلّم: الدين النصيحة (صحيح مسلم، الرقم: ٥٥)

يعلّمنا ديننا أن نتمنّى الخير للآخرين كما نحبّه لأنفسنا. فكما نحبّ أن نُرحم، علينا أن نرحم الآخرين، فقد قال سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم: وأحبّ للناس ما تحبّ لنفسك تكن مسلما (سنن الترمذي، الرقم: ٢٣٠٥)

ومن التعليمات الأساسية للإسلام أن ننصح للآخرين ونرحمهم.

فعن سيدنا أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لن تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أدلكم على ما تحابون عليه؟ قالوا: بلى يا رسول الله قال: أفشوا السلام بينكم، والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تراحموا قالوا: بلى يا رسول الله، كلنا رحيم. قال: إنه ليس برحمة أحدكم صاحبه، ولكن رحمة العامة (مجمع الزوائد، الرقم: ١٢٧٣١)

عضّ الصحابة الكرام رضي الله عنهم على نصيحة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالنواجذ وما زالوا متمسّكين بها، حتى بايع بعضهم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم على النصح لكلّ مسلم، وكان منهم سيدنا جرير بن عبد الله رضي الله عنه. (كما في صحيح البخاري، الرقم: ٥٧)

ونذكر فيما يلي بعض الحكايات التي تشهد على تمسك هذا الصحابي الجليل بما بايع عليه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم من النصح لكل مسلم:

شراء فرس

ذهب سيدنا جرير رضي الله عنه مع مولاه (أي: كان عبدا فأعتقه سيدنا جرير رضي الله عنه) مرّة إلى السوق ليشتري فرسا. فرأى سيّدنا جرير رضي الله عنه فرسا أعجبه، فأرسل مولاه ليشتريه له، فذهب مولاه وعرض على مالك الفرس ثلاث مئة، فأبى وقال: قيمة الفرس أكثر من ذلك فماكسه، ولكن بدون جدوى، فلم يتفقا على سعر، فاقترح المولى أن يذهبا إلى سيدنا جرير رضي الله عنه، فوافق على ذلك وذهبا إليه، فذكر له المولى ما جرى، فسأل صاحبُ الفرس سيّدَنا جريرا رضي الله عنه: هل ترى أن قيمته ثلاث مئة درهم، فقال سيدنا جرير رضي الله عنه: لا، هو أكثر من ذلك، فسأل سيّدُنا جرير رضي الله عنه مالكَ الفرس عن قيمته، ثم اتفق على شرائه بسبع أو ثمان مئة، فلمّا انتهى العقد، نبّه سيدنا جرير رضي الله عنه مولاه على محاولته شراء الفرس بأقلّ من قيمته وقال: ويحك انطلقت لتبتاع لي دابة، فأعجبتني دابة رجل، فأرسلتك لتشتريها، فجئت برجل من المسلمين يقوده وهو يقول: ما ترى ما ترى، وقد بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على النصح لكل مسلم

تخيير المشتري والبائع

ومن مظاهر النصح لكل مسلم في حياة سيدنا جرير رضي الله عنه أنه كان يخيّر البائع والمشتري إذا باع أو اشترى.

فروي عنه رضي الله عنه أنه قال: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة، وأن أنصح لكل مسلم … وكان إذا باع الشيء أو اشتراه قال: أما إن الذي أخذنا منك أحب إلينا مما أعطيناك فاختر (سنن أبي داود، الرقم: ٤٩٤٥)

الخروج للجهاد

مرض سيدنا جرير رضي الله عنه مرة في زمن سيدنا معاوية رضي الله عنه. وآنذاك كان سيدنا معاوية رضي الله عنه يجهّز جيشا، فكتب إليه سيدنا معاوية رضي الله عنه أنه قد وضع عنه وعن أولاده وظيفة الاشتراك في الجهاد، فكتب إليه سيدنا جرير رضي الله عنه: إني بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة والنصح للمسلمين، فإن ننشط نخرج فيه، وإلا قَوَّيْنَا من يخرج أي نعطيه المال والعُدّة حتى ينوب عنا في الجيش (من المصنف لابن أبي شيبة، الرقم: ١٩٨٧٨)

وفّقنا الله للنصح لكل مسلم والرحمة والشفقة على كل أحد متأسين بالصحابة العظام رضي الله عنهم في هذا المجال. آمين يا ربّ العالمين.

شاهد أيضاً

مقارنة الإسلام بالأديان السابقة – روضة الحبّ – ٥٩

عندما نقارن الإسلام بالأديان السابقة، نجد أن الإسلام لم يحرّم المنكرات والسيئات فحسب، بل حرّم …