الرئيسية / روضة الحب / روضة الحب – ١٦

روضة الحب – ١٦

تقدير نعمة الحياة

كان داود بن دينار إماما من أئمة الحديث، تتلمذ عليه عديد من المحدثين العظام مثل الإمام شعبة والإمام وكيع رحمهما الله تعالى. وكان يسكن في منطقة خراسان.

يحكى أن أهل خراسان أصيبوا مرة بطاعون فتّات، أدى بكثير منهم إلى الهلاك، وبجم غفير منهم إلى المرض الشديد. وكان الإمام داود بن دينار رحمه الله ممن أصابه الطاعون فمرض مرضا شديدا، ولكن الله تعالى شفاه من الطاعون وجعل مرضه سببا لرقيّه في الدين.

ذكر رحمه الله أنه أغمي في مرضه مرة، ورأى في أثنائه أن سقف البيت قد انشق ونزل عليه ملكان من السماء. فجلس واحد عند رأسه وجلس واحد عند رجله فقال صاحب الرأس لصاحب الرجلين: الْمُس فلمس بين أصابع رجليه ثم قال له: كثير النقل بهما إلى الصلاة – كأن الملك يشير إلى ما روي في الحديث الشريف في فضل المشي إلى المسجد أن الله يكتب للماشي إلى المسجد للصلاة بكل خطوة يخطوها حسنة، ويرفعه بها درجة، ويحط عنه بها سيئة.

ثم قال صاحب الرجلين لصاحب الرأس: الْمُسْ فلمس لهواته ثم قال: رطبة تسبح الله تعالى وتحمده وتذكره، ولكنه قليل التلاوة للقرآن. كأن الملك يشير إلى أن الإمام داود بن دينار رحمه الله وإن كان من كبار المحدثين ومن المشتغلين بتدريس الحديث الشريف، إلا أنه كان يقصر في تلاوة القرآن الكريم. فعوتب على ذلك التقصير.

ثم قال أحد الملكين للآخر: لم يأن أجله، وفتح السقف وصعدا إلى السماء ثم عاد السقف كما كان.

فلما أفاق من الإغماء، عرف أن الله تعالى من عليه بامتداد في أجله، ليتدارك ما قصر فيه. فأقبل على القرآن وتعلم الفنون المتعلقة به. (ملخّصا من تاريخ دمشق ١٧/١٢٩-١٣١)

يستفاد من هذه القصة أن الله تعالى إذا أراد بعبد خيرا، دله على تقصيراته بطرق عجيبة وأساليب غريبة، ووفّقه لإصلاح نفسه.

وقد علّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم أن نقرأ عند الاستيقاظ من النوم: اَلْحَمْدُ لِلّٰهِ الَّذِيْ أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا وَإِلَيْهِ النُّشُوْرْ

يذكرنا هذا الدعاء المبارك بأن الله تعالى يمن علينا كل صباح بفرصة من الحياة لنصلح حياتنا ولنتدارك ما قصرنا فيها بكثرة الأعمال الصالحة قبل أن توافينا المنية.

فعلينا أن نتفكر في حياتنا  وأعمالنا كل يوم لنحاسب أنفسنا ونعرف تقصيراتنا. ثم نبذل أقصى جهودنا في إصلاح حياتنا وإرضاء ربّنا بأداء حقوقه وحقوق العباد.

ومن الأدعية المسنونة التي علمناها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته: اَللّٰهُمَّ اجْعَلْ خَيْرَ عُمُرِيْ آخِرَهُ وَخَيْرَ عَمَلِيْ خَوَاتِيْمَهُ وَخَيْرَ أَيَّامِيْ يَوْمَ أَلْقَاكَ فِيْهِ

وفّقنا الله تعالى لإصلاح حياتنا وللتأسي بسنة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم في جميع شئون حياتنا وجعل خير أيامنا يوم نلقاه فيه.

شاهد أيضاً

روضة الحبّ – ٤٨ – تنال زبيدة مغفرة الله بسبب تعظيمها الأذان

إن الغرض من خلق الله عزّ وجلّ الدنيا وإرسال الأنبياء والرسل إليها إقامةُ الشريعة  – …