سيدنا عمر رضي الله عنه وأهله في قضاء حوائج الناس
قضاء حوائج الناس عبادة عظيمة وسبب قوي لجلب رحمة الله عزّ وجلّ. كان من عادة الأنبياء الكرام والرسل العظام عليهم السلام أن يسدّوا حوائج الناس بجميع إمكانياتهم. ولم يكونوا يحثون الناس على أداء الحقوق اللازمة فحسب، بل كانوا يحضّونهم على قضاء حوائج الآخرين.
ويدلّ عليه ما روي أنه صلى الله عليه وسلّم لمّا شرف بالنبوّة، جعل يتفكر هل يستطيع أداء هذه المهمّة العظمى. فواسته زوجته السيدة خديجة رضي الله عنها بكلمات تعكس ما كان يكمن في قلبه من الطمع والحرص الشديد على قضاء حوائج الناس.
فقالت: كلا، أبشر فوالله لا يخزيك الله أبدا، فوالله إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق (صحيح البخاري، الرقم: ٤٩٥٣)
ثم إن أصحاب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم الأتقياء رضي الله عنهم صاحبوه صلى الله عليه وسلّم فاصطبغوا بصبغته واتصفوا بصفاته الكريمة، حتى أنهم بذلوا حياتهم في أداء حقوق الله عزّ وجلّ وصرفوا كل ما كان عندهم في قضاء حوائج الناس.
فقد روي أن سيّدنا عمر بن الخطّاب رضي الله عنه كان يطوف في ضواحي المدينة المنوّرة، يبحث عن من يحتاج إلى خدمة. فرأى يوما – وهو يطوف في ضواحيها – خيمة من شعر، فدنا منه، فسمع أنين امرأة ورأى رجلا قاعدا خارج الخيمة، فدنا منه وسلّم عليه ثم قال: من الرجل؟ فقال: رجل من أهل البادية جئت إلى أمير المؤمنين أصيب من فضله. قال: فما هذا الصوت في هذا البيت؟ قال: امرأة تمخض. قال: هل عندها أحد؟
قال: لا. فانطلق حتى أتى منزله فقال لامرأته أم كلثوم بنت علي: هل لك في أجر ساقه الله إليك؟ قالت: وما هو؟ قال: امرأة غريبة تمخض ليس عندها أحد. قالت: نعم إن شئت. قال: فخذي ما يصلح المرأة لولادتها من الخرق والدهن وجيئيني ببرمة وشحم وحبوب. فجاءت به فقال: انطلقي. وحمل البرمة ومشت خلفه حتى انتهى إلى البيت فقال لها: ادخلي إلى المرأة وجاء حتى قعد إلى الرجل فقال له: أوقد لي نارا. ففعل فأوقد تحت البرمة حتى أنضجها وولدت المرأة فقالت امرأته: يا أمير المؤمنين بشر صاحبك بغلام. فلما سمع الرجل بأمير المؤمنين هابه فجعل يتنحى عنه , فقال: مكانك كما أنت. فحمل البرمة عمر رضي الله عنه فوضعها على الباب ثم قال: أشبعيها. ففعلت. ثم أخرجت البرمة فوضعتها على الباب فقام عمر فأخذها فوضعها بين يدي الرجل فقال: كل ويحك فإنك قد سهرت من الليل. ففعل ثم قال لامرأته اخرجي. وقال للرجل: إذا كان غد فائتنا نأمر لك بما يصلحك ففعل الرجل فأجازه وأعطاه. (التبصرة لابن الجوزي بتصرف ١/٤٢٧)
وفّقنا الله عزّ وجلّ لقضاء حوائج الناس كما قضاها الأنبياء عليهم السلام والصحابة رضي الله عنهم.