من نظام الله عزّ وجلّ أنه فضّل بعض الأشياء على بعض. ففي الإنسان، فضّل الله عزّ وجلّ الأنبياء عليهم السلام على غيرهم وأعلى رتبتهم ورفع مقامهم على غيرهم. وفي بقاع الأرض وأمكنتها، فضّل الله الحرمين الشريفين والمسجد الأقصى على غيرها من بقاع الأرض. وفي أشهر السنة، فضّل الله عزّ وجلّ أربعة أشهر على غيرها وسمّاها الحُرُمَ. كما جعل من الأيام يوم عاشوراء ذا فضل عظيم.
ومن الشهور فضّل الله عزّ وجلّ شهر ذي الحجة بجعله الشهر الذي يؤدّى فيه مناسك الحج والأضحية، كذلك جعل الله المحرمّ شهرا كريما، فقد سمّي في الحديث الشريف بشهر الله: فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل (كما رواه الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، الرقم: ١١٦٣)
كما أن الله عزّ وجلّ جعل صيام يوم عاشوراء أفضل الصيام يعد صيام رمضان. وممّا يدلّ على عظم فضله وشرفه أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم كان يتحرّاه ويشتاق إليه:
فعن سيدنا ابن عباس رضي الله عنهما قال: ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى صيام يوم فضّله على غيره إلا هذا اليوم يوم عاشوراء (صحيح البخاري، الرقم: ٢٠٠٦)
وعن أبي قتادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: …وصيام يوم عاشوراء إني أحتسب على الله أن يكفّر السنة التي قبله (صحيح مسلم، الرقم: ١١٦٢)
أجر صيام شهر
إن الصيام في شهر الله المحرّم أفضل الصيام بعد صيام رمضان. وللصائم فيه أجر صيام شهر كامل بكلّ يوم يصومه. ولا ينال هذا الأجر العظيم إلا من صام في هذا الشهر المبارك – شهر الله المحرّم – لا في غيره من الشهور.
فعن سيدنا ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صام يوم عرفة كان له كفارة سنتين ومن صام يوما من المحرم فله بكل يوم ثلاثون يوما (الترغيب والترهيب، الرقم: ١٥٢٩)
وعن سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل (صحيح مسلم، الرقم: ١١٦٣)
صوم عاشوراء المسنون
صام سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم يوم عاشوراء وحضّ الصحابةَ الكرام رضي الله عنهم على صيامه. ويعكس الحديث التالي مدى ولعهم البالغ بسنّة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم:
فعن الربيع بنت معوذ بن عفراء رضي الله عنها قالت: فكنا بعد ذلك نصومه ونصوم صبياننا الصغار منهم إن شاء الله ونذهب إلى المسجد فنجعل لهم اللعبة من العهن فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناهم إياه عند الإفطار (صحيح مسلم، الرقم: ١١٣٦)
تاريخ عاشوراء
كان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم يصوم يوم عاشوراء بمكّة المكرمة قبل الهجرة. ولما هاجر سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة المنوّرة، رأى اليهود يصومونه، فسأل عن سبب صومهم يوم عاشوراء، فذكروا أنه اليوم الذي نجّى الله فيه سيدنا موسى عليه السلام من ظلم فرعون وطغيانه.
كما روي عن سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلّم المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا يوم صالح هذا يوم نجى الله بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى قال فأنا أحقّ بموسٰى منكم فصامه وأمر بصيامه
وكان صوم يوم عاشوراء فرضا قبل أن يفرض صوم رمضان. فلمّا فرض صوم رمضان، صار صوم عاشوراء مسنونا.
فعن سيدتنا عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت:كان يوم عاشوراء يوما تصومه قريش في الجاهلية وكان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يصومه في الجاهلية فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة صامه وأمر بصيامه فلما فرض رمضان كان هو الفريضة وترك يوم عاشوراء فمن شاء صامه ومن شاء تركه (موطأ الإمام مالك، الرقم: ٨٤٢)
فصامه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم إلى أن فارق الدنيا. ولكنه صلى الله عليه وسلّم أمر الصحابة الكرام رضي الله عنهم أن يخالفوا اليهود فيه بصيام يوم آخر معه.
فعن سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صوموا يوم عاشوراء وخالفوا فيه اليهود صوموا قبله يوما أو بعده يوما (السنن الكبرى للبيهقي، الرقم: ٨٤٠٦)
درس عاشوراء
يوم عاشوراء يوم عظيم والصيام فيه سبب للأجر الجزيل. هذا إلى أنه يحمل درسا مهمّا جدّا للمسلمين. وهو التحفّظ بالزيّ الإسلامي والابتعاد عن تقليد الكفار وحضارتهم. ويدلّ على ذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلّم الأمة بصيام يومين مخالفة لليهود.
فإن التشبه الظاهر في الصوم – وهو عبادة – كان مبغوضا عند سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فكيف بالتشبه بهم في حضارتهم وزيهم وغير ذلك من أمور الحياة! يكون ذلك حراما. لأنه يبدو منه أن الإنسان يأخذ بطرق أعداء الإسلام وحضارتهم بدلا من أن يأخذ بسنّة سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم.
فعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: من تشبه بقوم فهو منهم (سنن أبي داود، الرقم: ٤٠٣٣)
ولا يحب أحد أن يتشبّه بعدوّه، بل يتشبّه كل واحد بمن يحبّه. فمحبّ الرسول صلى الله عليه وسلّم لا يتشبه إلا به صلى الله عليه وسلّم، لا بأعدائه صلى الله عليه وسلّم.
الزي الإسلامي
التشبه بالكفار يقع في كثير من أمور الحياة. لكن الذي يشاهد بصفة عامّة هو التشبه بلباسهم وزيّهم. ولا شكّ أن لباس الإنسان يؤثّر على خلقه وشخصيته. فإذا لبس الإنسان أثواب الكفار، لم يلبث أن يحتذي حضارتهم وتقاليدهم. وقد لاحظ الكفار أثرا عميقا للّباس في المجتمع، ومن أجل ذلك، فرضت دول عديدة الحظر على ارتداء الحجاب، ويحاولون كل محاولة لمنع غلبة المسلمين حتى يتبعوهم، يقول الله عزّ وجلّ: وَلَن تَرضىٰ عَنكَ اليَهودُ وَلَا النَّصـٰرىٰ حَتّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُم (البقرة: ١٢٠)
أمور لا أصل لها
هناك أمور عديدة يقوم بها الناس يوم عاشوراء. ومنها العزاء على سيدنا الحسين رضي الله عنه. ولا شكّ أن شهادة سيدنا الحسين رضي الله عنه من الحوادث المؤلمة للغاية. ولكن فضل عاشوراء ليس منها في شيء. بل فضله ثابت من قبل ولادة سيدنا الحسين رضي الله عنه. فما يفعله الروافض من إظهار الحزن والعزاء يوم عاشوراء ليس من الإسلام في شيء.
فضل التوسعة على الأهل والعيال يوم عاشوراء
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من وسع على عياله وأهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته (شعب الإيمان للبيهقي، الرقم: ٣٥١٥، وقال المنذري في الترغيب والترهيب، الرقم: ١٥١٠: رواه البيهقي وغيره من طرق وعن جماعة من الصحابة وقال: هذه الأسانيد وإن كانت ضعيفة فهي إذ ضم بعضها إلى بعض أخذت قوة والله أعلم، وقال السخاوي في المقاصد الحسنة صـ ٦٧٤: قال العراقي في أماليه: لحديث أبي هريرة طرق صحح بعضها ابن ناصر الحافظ … وله طريق عن جابر على شرط مسلم أخرجها ابن عبد البر في الاستذكار من رواية أبي الزبير عنه وهي أصح طرقه ورواه هو والدارقطني في الأفراد بسند جيد)